روايات

رواية ديسليكسيا الفصل الخامس 5 بقلم أسماء عبدالهادي

رواية ديسليكسيا الفصل الخامس 5 بقلم أسماء عبدالهادي

رواية ديسليكسيا البارت الخامس

رواية ديسليكسيا الجزء الخامس

ديسليكسيا
ديسليكسيا

رواية ديسليكسيا الحلقة الخامسة

ألجمت الصدمة لسانها وعقلها فوقفت تطالع زوجها بزهول متسعة أعينها على آخرهما ويكاد فمها يصل للأرض _أهو طلقها للتو !!
ولماذا!!! لأنه أدرك فجأة أنه لم يعد يريدها!!… أم شعر الآن فقط انها لم تعد تناسبه ولا تناسب مركزه ووجاهته الإجتماعية …أجل فكلامه يدل على ذلك ..هو ينسب نجاحه وكل ماوصل اليه لنفسه هو … أنسي أنها من كانت تشجعه دائما …أنسي أنها تحملته وتحملت فقره في بادىء الأمر وقبلت ان تترك أهلها وبلدتها وكل شىء من أجل ان تكون معه …أنسي أنها كانت تنتظره كل ليلة بقلب قلق إلى أن يعود متأخرا فتعد له طعامه وتجلس على راحته إلى أن يذهب الى غرفته ويغط في نوم عميق دول كلمة شكر او امتنان واحدة تسمعها منه أنسي جفاءه معها وصبرها على ذلك…أباع عشرتها من أجل أخرى أغرت أعينه لجمالها او مالها !!!
ثم إذا ما كان الأمر كذلك ما دخل ابنته بهذا الأمر لما يتخلى عنها هي الآخرى أليست ابنته …ام أنه كرهني لهذه الدرجة حتى لم يعد يحب أي شىء له صلة بي حتى لو كانت ابنته

حركت رأسها بأسف دون أن تنطق بحرف واحد
ليستدير هو وكأنه لم يفعل شيئا لكنه هتف بجمود آمرا ابنته
_ شوق اطلعي جهزي شنطك حالا …القطر معاده ٦الصبح
قالها ثم تركهم يتخبطون في بعضهن البعض غير عابئا بمشاعرهن وكأنهن لم يكنّ يوما .

سحبت شوق طرف ثوب أمها تشده برفق لتنتبه لها امها
_ماما هو في إيه
أغمضت الأم أعينها بمرارة ولم تدري ما تقوله لابنتها سوى أنها ضمتها إلى صدرها وجلست على الأرض تحيطها بذراعيها وبكت
🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼
لم تفهم شوق ما الذي يحدث وانما ظنت حزن امها وبكاءها بسبب ضرب والدها لامها لذا مدت يدها وبرقة شديدة مسدت على وجه أمها مكان الصفعة
_متزعليش ياماما… تلاقي بابا في حاجة مغلباه في الشغل علشان كدا هو متعصب …مش انتي بتقوليلي كدا لما كان بيضربني!! …خلاص بقا يا حبيبتي حقك عليا أنا .

دققت النظر في ابنتها ونظرت لتلك الأعين البريئة بغم شديد… فهي لا تستحق كل هذه القسوة ….لذا عزمت في نفسها أن تحاول مع زوجها ثانية عله يوافق على مكوثهم هنا لحتى تنهي شوق علاجها على الأقل …أجل ستعافر من أجل ابنتها

بقلمي أسماء عبد الهادي.

في المساء
ظلت مستيقظة طوال الليل تنتظر عودته للمنزل لتتحدث معه الى ان أتى أخيرا بعد الساعة الثالثة بعد منتصف الليل وعندما دلف المنزل و وجدها أمامه تنتظره
عبس بوجهه وهتف بصوت رخيم
_إنتي ايه اللي مصحيكي .

ازدردت ريقها وفتحت فمها بتردد استعدادا للتحدث متمنية ان يوافق على طلبها
فخرج صوتها متحشرج
_ممكن أطلب منك طلب أخير.

تحدث بتأفف وجلس بارهاق على الأريكة
_قولي وخلصيني.

طالعته بعتاب أفهانت عليه لهذه الدرجة وبالطبع هو لم يرى نظراتها تلك لأنه لم يكن ينظر إليها
لذا تنهدت بقلة حيلة
_ممكن تخلينا نعيش هنا …في أي حتة مش هتفرق المهم نفضل في القاهرة علشان علاج البنت يستمر أرجوك يا غريب …مش علشان خاطري علشان خاطر بنتك .

نهض من جلسته وهتف بضيق
_تعيشوا هنا فين انتوا عايزين تفضحوني …لا طبعا الكلام انتهى في الموضوع ده وسفركم بكرة في معاده .

طالعته بتعجب وهتفت باستنكار
_نفضحك!!! بقى دي اخرتها ياغريب…بتستعر مني ومن بنتك …ماشي يا غريب إحنا هنمشي …بس ياريت تنسانا خالص والأيام كفيلة إنها تعرفك الجريمة اللي عملتها فيا وفي حق بنتك… روح ربنا يديك على قد نيتك .

قالت كلامها وتركته ورحلت لغرفة ابنتها تبكي وتندب حظها العكر الذي أوقعها مع اب لا يملك في قلبه ذرة مشاعر تجاه ابنته .

أحتضنتها وغفت بجوارها بعد أنهكها التعب وكثرة البكاء
استيقظت او بمعنى أدق انتبهت مع بداية شروق الشمس وأول شىء فعلته هو أنها اتصلت به تتطلب العون والمساعدة فزوجها مصمم على إبعاد ابنته عن حياته نهائيا .

علىَ رنين الهاتف في الغرفة فأمسكته لترد فقالت بصوت ناعس
_ألووو

أستغربت هي صاحبة الصوت لكنها خمنت على الفور أنها ربما تكون زوجته فهتفت بحرج
_أنا أسفة إني اتصلت في وقت زي ده بس أنا لازم أكلم مستر حسام ضروري.

نظرت هي لشاشة الهاتف فأدركت أنها والدة الطفلة شوق التي تعرف حكايتها من زوجها
لذا هتفت بترحاب
_حضرتك والدة شوق مش كدا… أهلا بحضرتك… حاضر لحظة بس هصحي حسام لأنه لسه نايم.

_أنا والله محروجة منكم معلش أصلي…

قاطعتها زوجة حسام بابتسامة ودودة
_حصل خير …مفيش مشكلة أبدا منبه حسام كان خلاص هيقوم علشان يستعد لشغله على اي حال… اتفضلي هو معاكي

تحدثت معه والدة شوق وقصت له سريعا ما حدث وأنها في حيرة من أمرها بشأن ابنتها

وعلى الرغم من أن قلب حسام التاع وأصيب بالكمد من أجل الصغيرة وتخلِي والدها عنها في مثل ظروفها تلك إلا أنه أجاب بهدوء شديد كي يبعد القلق عن قلب تلك الأم المكلومة في حالتها البائسة تلك
_مفيش مشكلة خالص يا ام شوق… انتوا هتسافروا … وشوق هتكمل علاجها هناك عادي وتمشي على الروشتة اللي وصفها الطبيب
أما بالنسبة لتعليمها فأنا هتابعها دايما بالتلفون …هيكون عندكم هناك أرضي مش كدا ؟؟؟…

أجابته بقلة حيلة وتنهيدة تخرج كل ما يعتلي صدرها من هم
_والله ما أنا عارفة الدنيا هناك هتكون عاملة إزاي

 

 

 

 

_متشيليش هم، هتواصل معاكم بأي طريقة وهكون معاكي خطوة بخطوة وهفهمك تعملي إيه بخصوص المذاكرة لشوق .

على الرغم من أنه نفسه لم يكن مقتنعا بكلامه وليس متأكدا من أنه سيجدي نفعا مع شوق وهو بعيدا عنها إلا أنه لم يملك خيارا آخرا ولا لديه شىء غيره ليقدمه لتلك المسكينة الصغيرة .
عملت كلمات المعلم حسام على طمئنة قلب الأم ولو قليلا فنهضت بقلب خلى من الحياة تجمع حاجيات ابنتها وتعد نفسها ومن ثم توقظ ابنتها وتعدها هي الآخرى من أجل توديع المكان وإلقاء نظرة أخيرة على بيتها قبل أن تغادره للأبد

أنهت كل شىء وخرجت من الغرفة لتجد زوجها أمامها يقول بنبرة خلت من المشاعر وكأنه لم يفعل بهما شيئا
_العربية برا مستنياكم هتوصلكم لحد سكة القطر
وأول ما توصلوا هتلاقي واحد مستنيكم هيدلكم على البيت اللي هتسكنوا فيه وهبعتلكم مصروفكم شهريا …وخدي دول خليهم معاكي لحد الشهر الجاي.

مدت يدها تلتقط الأموال منه بجمود ثم هتفت بتهكم
_ختر خيرك يا غريب بيه.

لاحظ هو أنها حزينة وتتحدث بمرارة فأرد أن يصلح موقفه ولو قليلا
ليقول
_صدقيني ده أنسب حل… أنا…
قاطعته هي بضيق فلا تود سماع أي مبرر لتخليه عنهما فأي حجج سيقولها ستكون واهية بالنسبة لها
_متقولش حاجة .. مبقاش ينفع خلاص… يلا يا شوق

طالعت الصغيرة أبيها وأمها باستغراب
_ماما إحنا رايحين فين؟

ركبتا السيارة بصمت تام والصغيرة متعجبة مما يحدث فهي لا تفهم ما يدور حولها

لكنها ما ان ترجلت من السيارة أمام السكة الحديدية لتجد أمها تقول
_شوق أنا كنت قلتلك اننا أصلنا من الصعيد صح… إحنا دلوقتي راجعين الصعيد تاني

_يعني هنروح نتفسح هناك يا ماما؟؟

أخذت نفسا عميقا وأخرجته بمرارة
_لا يا بنتي هنفضل هناك علطول

لتهتف شوق على الفور بتساؤل على اول واحد خطر في بالها وراعها ابتعادها عنه
_ومستر حسام!!!

لتجده يرد عليها بابتسامته المعهودة
_وانا جيت بنفسي أسلم عليكي قبل ما تمشي.

لتلتفت خلفها وبدون تردد تلقي بنفسها بين ذراعيه ترجوه ألا يتركها
_مستر حسام متسبنيش …. أنا مش عايزة أروح مكان وانت مش موجود فيه … انت الوحيد اللي حبتني … انت الوحيد اللي حاولت تساعدني وتخرجني من مشكلتي …مينفعش دلوقتي تسيبني …أنا لسه محتاجاك يا مستر …ومقدرش استغنى عنك

ادمعت أعين حسام ففي حقيقة الأمر هو أيضا كان أمر سفرها صدمة بالنسبة له هو تعلق بالصغيرة وأحبها بصدق كإبنة له يهمه أمرها، لا فقط من اجل مشروعه العلمي وبحوثاته وانما أيضا على الجانب الشخصي…فشوق ببراءتها وعفويتها قد استطاعت ان تسلب لبه وتعلقه بها لذا أحزنه ما حدث لها ولإمها ولكن ما باليد حيلة وعليهم جميعا تقبل الأمر الواقع
لذا فما كان منه إلا أنه عانقها بشدة وردد بحنو بالغ
_وأنا مش هسيبك ولا عمري هتخلى عنك .. أنا هتواصل معاكم دايما وهكون معاكي خطوة بخطوة وأي مشكلة تقابلك علطول كلميني وهتلاقيني جنبك
هتفت بحزن واعين تتلألأ فيها الدمعات
_مستر

أخرجها من بين ذراعيه ثم نظر لعينيها مبتسما
_ممكن بنوتي الصغيرة تبتسم كدا علشان بابا حسام ميزعلش .

كان يعلم بحاجتها للحنان والعطف يعلم كم أن والدها جاف في معاملتها لذا كان من واجبه إعطاءها جرعة حنان تقويها في ذلك الوقت

حملقت به ورمشت بجفونها عدة مرات
_بابا!!!

_ده صحيح… انا بعتبرك زي بنتي ياشوق… تسمحي أكون ليكي مش مجرد المعلم بتاعك وأكون زي باباكي!!

ابتسمت له وعانقته مرة أخرى
_أنا مبسوطة اوي …بحبك يا بابا حسام

ربت على كتفها بحنان
_مش عايزك تشيلي هم اي حاجة اتفقنا …كله هيبقى تمام بإذن الله.

تنهدت شوق بقلة حيلة
_حاضر ..بس اوعدني إنك تيجي تزورني هناك
_أكيد طبعا كل أجازة هقضيها معاكي هناك.

صعدت شوق القطار وجلست بجوار النافذة لتطالع معلمها والذي أصبح بمثابة أب كيف لها وهو الذي كان حانيا عليها أكثر من أبيها.. وهو الذي دائما تجده بجوارها مساندا لها …يدفع عنها أي حزن قد يقع بقلبها بعكس والدها والتي لم تشعر بالسوء ابدا لأنها ستبتعد عنه …فجفاءه معا قد بنى أميالا من الحواجز بين قلبيهما فلم تعد تكن له أي مشاعر رغم أنها كانت تتمنى يوما أن يحبها والدها وترى تلك البسمة الراضية عنها في عينيه

لوحت بكلتا يديها له ومع ابتعاد القطار كانت لا تزح عينيها عنه وما ان شعرت أنها لم تعد تراه جيدا حتى نهضت من مكانها ووقفت على مقعدها لتخرج جسدها بالكامل من النافذة حتى تراه حتى كادت تسقط من خارج القطار لولا انتباه امها لها وإمساكها في اللحظة المناسبة …فهي تودعه بقلبها تخشى أن تكون تلك آخر مرة تراه فيها .

بعد اسبوعان
وبعد ان استقر الحال بأم شوق في منزلهما الجديد والذي كان متواضعا للغاية بعكس المكانة التي وصل لها زوجها فها هو يقصيهم عن حياته ويرمي بهم في غيابات بيت معدم فقير… لم تشأ أن تشكو شيئا لأهلها فكيف تفعل وهي التي تركتهم من اجله …فلكم تحايلوا عليها يوما ألا تترك ناسها هنا وتذهب معه …لكنها أصرت لان تبقى جوار زوجها وتسانده في تحقيق أحلامه وها هي وفت بوعدها وساندته وان لم يكن ماديا بل معنويا فكان رده للجميل أن باعها مع اول فرصة ليبدلها بأخرى يظن أنها ستليق بمنصبه ومكانته الجديدة
رضيت بحالها وحمدت ربها على جميل ستره ..لكن ما كان يعكر صفو بالها هو امتناع ابنتها عن الذهاب للمدرسة ..فالحسنة الوحيدة التي فعلها والدها أنه ألحقها بمدرسة جيدة الصيت رغم بُعد المسافة قليلا لكن لا يهم المهم أن تتعلم ابنتها ولكنها ها هي ترفض وبشدة الذهاب.
لذا كان السبيل الوحيد لجعل شوق تغير رأيها هو أن يحدثها المعلم حسام ويقنعها بنفسه

_ شوق إحنا اتفقنا على إيه؟ نكون اقويا ومنستسلمش.
_مش هعرف يا مستر أنا خايفة
_فين ثقتك بنفسك ياشوق ..انا مش قلتلك الأمور بتكون صعبة لو انتي شيفاها كدا!! إحنا بإيدينا اللي بنرسم ملامح الطريق اللي ماشين فيه … علشان كدا بطلتي الصغيرة هتتجاهل تماما أي شىء يزعلها وهترفع راس بابا حسام وهيفضل طول عمره فخور بيها

_تفتكر يا مستر!!

_إلا افتكر انا متأكد
_ بس أنا … مش هفهم ..مش هعرف أقرأ …هنسى كل حاجة

_انسى خوفك وانسي أي حاجة ممكن تقلقك…ركزي بس في شرح الأساتذة ومتتردديش في السؤال مرة واتنين وتلاتة عن أي جزئية وقفت معاكي …واستعيني بربنا يا شوق… احنا اتفقنا إننا لما بنرفع إيدينا وندعي ربنا …هيسمعنا وهيستجيب وهيفرحنا بجميل فضله

تابعت شوق تعليمها والمعلم حسام معها ولم يتركها حتى أنه جاء بلدتها بعدها مباشرة وتحدث إلى معلميها ،يعرفهم بحالتها وكيفية التعامل معها و أيضا أصبح يسافر لها خصيصا إذا ما وجد حالتها متأزمة وتستدعي وجوده لجوارها

وبعد عدة سنوات من العناء تخلصت شوق من مشكلتها تلك “الديسلكسيا ” بفضل دعاء والدتها وعلاجها ومساعدة المعلم حسام… وبإرادة الله أولا واخيرا

و ها هي بدأت تربط بين المفردات المختلفة ومعانيها …بدأت تركز في سرد القصص وتذكرها بشكل جيد .. بدأت في الربط بين الكلمات المتشابهة والقدرة على التفريق بينهما… الاتجاهات لم تعد تشكل مشكلة معها فهي باتت قادرة على تمييز الاتجاهات بشكل صحيح… باتت تستطيع تهجي الكلمات بشكل صحيح متبعة الأسلوب التي نصحها به معلمها إلى ان استطاعت الاستغناء عن ذلك الأسلوب ايضا بعدما نمت ثقتها بنفسها يوما بيوم .

وبعد عمل الأشعة والفحوصات وإرسال التقارير لطبيبها المعالج عن طريق المعلم حسام …اقرّ الطبيب بأنها اصبحت فتاة عادية تماما ، فمن رحمة ربها أن مشكلتها كانت من النوع الثانوي الذي يزول بعد العلاج الصحيح والبيئة التعليمة المخصصة

سافر حسام خصيصا لشوق وزارها في بلدتها ليطلعها على ما قاله الطبيب ويبشرها بأنها أخيرا ستجني ثمار تعبها طوال السنوات الماضية

 

 

 

كبرت شوق وأصبحت آنسة صغيرة في الخامسة عشر من عمرها
وهتفت بفرحة وكأنه هنالك عيد…ليس فقط بما قاله معلمها بأنها أصبحت فتاة عادية كسائر زملاءها وإنما برؤية تلك السعادة الحقيقية البادية على وجهه من أجلها ففرحت لفرحه
_أنا مش فرحانة باللي حضرتك قلته زي ما أنا فرحانة بفرحتك اللي شايفاها في عينيك دي …للدرجة دي يا مستر …أمري يهمك.. للدرجة دي سبت شغلك وبيتك وجيت علشان تقولي الخبر ده رغم ان كان ممكن تبلغهولي في التلفون عادي…أنا حقيقي أسعد بنت في الدنيا واكتر بنت محظوظة في العالم علشان عندها أستاذ زي حضرتك… أنا فخورة بكوني تلميذتك يا مستر..فخورة بجد

ليهتف ذلك المعلم الذي ترفع له القبعات ٱجلالا واحتراما له
_وأنا فخور إني عندي طالبة نجيبة ومثابرة زيك يا شوق …فخور ببنتي اللي تعبت وذاكرت ومدخرتش جهد وقاومت كل التحديات اللي قالبتها علشان تتغلب على مشكلتها وقد كان…انتي عملتيها يا شوق

رمقته شوق بامتنان
_وأنا مكنتش هقدر اتخطى مشكلتي من غيرك بعد ربنا يا مستر

_الحمد لله … الحمد لله يابنتي …ربنا يسلكك طريقك ويوفقك في بقية مشوارك يارب …شوق انتي كدا وفيتي ليا بأول وعد…باقي وعد تاني إنك هتسيري على خطايا وهتكملي المشوار اللي بداناه سوا

####
عودة
فاقت شوق من شرودها بدمعة ثكيلة فرت من قلبها …ترثي ذلك المعلم الفاضل والذي لم ولن ترى مثله قط ..فلقد كانت تلك الكلمات آخر كلمات سمعتها منه قبل أن توافيه المنية ويموت إثر تعرضه لأزمة قلبية مفاجئة يرتد على إثرها ميتا
ورغم الصاعقة التي تلقتها بخبر موته إلا أنها ظلت صامدة من أجل أن تحافظ على وعدها له وتُوفي به …بل وتُحيي ذكراه في كل طفل تساعده كما أراد
فهتفت هامسة ويكأنه سيسمعها
_وفيت بوعدي يا مستر … ربنا يرحمك ويچازيك الچنان …وحشتني كاتيير…وعمري ما هنسى أفضالك عليا ….هتفضل في جلبي لطول العمر

استغلت ام السعد شرود شوق وفرت من أمامها لتحضر ابنتها كما طلبت لحتى لا تتعرض لتلك العصاة وجلدها مرة أخرى

فاقت شوق من شرودها على صوت نسرين وهي تقترب مع السيدة وتهتف بابتسامة فهي تعرف أن شوق ستفرح كثيررا

_أبلة شوق… وأدي طالب چديد جالك كمان .

سريعا ازاحت شوق تلك العبرات المحترقة شوقا لغياب معلمها الفاضل وحلت محلها ابتسامة عريضة لترحب بذلك الطفل وتقبله من بين عينيه
_أهلا أهلا يا حبيبي… تعالى يا نضري تعالى…المكان بيك يا جلبي

ومن ثم أجلسه جوار البقية ومن ثم تنظر لهم بفرحة ففي كل وجه من وجوههم ترى السعادة من أوسع أبوابها …ترى الأمل وإن كان بعيدا لكنه ليس مستحيلا… ترى معلمها ينظر لها بابتسامة راضية لما تفعله لتتنهد هي براحة وتهمس مرة أخرى وهي تتخيله أمامها
_هكمل مشوارك لحد آخر العمر.

ابتسمت أم الطفل لتلك المعلمة الحانية وتلك المعاملة الإنسانية الطيبة وكأن الأطفال أولادها حقا…تحنو عليهم ويتحيطهم بجناحها بحنانها … تنظر اليهم بفرحة وكأن كل طفل مولود جديد لها يأتي إليها بعد طول انتظار

فتنهدت براحة واطمأن قلبها على ولدها ودعت للمعلمة شوق بالبركة والسعادة ثم انصرفت عائدة لبيتها على ان تأتي لاصطحاب ابنها ثانية بعد أربع ساعات كما أخبرتها نسرين بذلك

فشوق تنسى نفسها مع أولئك الأطفال وهم ينسون أنفسهم معها أيضا ويندمجون معها ولشرحها المبسط والذي يفهمه الجميع دون عناء
حتى أن بعض النسوة اللواتي لم تحظين ببعض من التعليم تجلس بالقرب منهم لتستمع لما تقوله شوق فتفهمه على الفور فينشرح قلبها وتنهض من مجلسها بعد ان تنتهي شوق من حلقتها التعليمية وتقدم الحلوى للأطفال كما وعدتهم
لتقول إحدى السيدات الطاعنات في العمر
_ربنا يحفظك يا بتي… أني كان طول عمري نفسي أفك الخط وأهو على الأجل أفهم اي حاچة بدل ما أني ورقك فاضية إكده …لكن جعادي جاركم إهنة كل مرة ابتديت أعرف الحروف وأحاول أكتبها كماني .

قبلت شوق يدها بحب صادق
_أبدا يا خالة إنتي مش ورقة فاضية ولا شىء والأُمي مش هو اللي مبيعرفش يجرا ولا يكتب …الأُمي هو اللي ميعرفش يتعامل مع الناس ولا يفهمي شىء من اللي بيدور حواليه وانتي اسم الله عليكي يا خالة عقلك يوزن بلد
رسولنا سيدنا النبي محمد يا خالة كان أُمي صحيح …بس جدر يكون قائد عظيم لأمة بحالها ولسه لحد دلوك كلامه وبلاغته وفصاحته يشهدلها أعتى الرجال في الذكاء والتعليم ومفيش حد يجدر يضاهيه

العجل يا خالة مكتسب من التجارب والخبرة ومعنى كلامي اني منكرش فضل العلم لاه أبدا لكن اللي اجصده إنك متقلليش من شأن نفسك إنتي كابيرة جوي جوي يا خالة
وانتي خليتيني أفكر إني افتح فصول محو الأمية إهنة يا خالة وأني بنفسي اللي هشرف على تعليمكم

ابتسمت لها الخالة وسحبت يدها من يد شوق تقبلها بامتنان
_كتر خير ك يا أميرة يابنت الأمرا… كتير اللي بتعمليه ده للبلد … ربنا يحميكي يابتي

لتسحب شوق يدها بسرعة وتقول بزهول
_وااه يا خالة … والله ما يحصل أبدا …أني اللي أبوس يدك وراسك ورجلك كمان… انتوا هنا أهلي وناسي وكل دنيتي وخيركم كاتير جوي جوي عليا …كفاية إني بسمع دعواتكم الحلوة داي ومعيزاشي من الدنيا حاچة بعد إكده

ربتت الخالة على ظهر شوق قبل أن تنصرف لحالها
_ربنا ينولك كل اللي بتتمنيه ويسعد قلبك الحزين داه يا بتي ويريح بالك المتعكر .

طالعتها شوق باستغراب وهي تشاهدها ترحل بعيدا لتقول في نفسها بحيرة بينما ترفع إحدى حاجبيها
_عرفت منين داي إن جلبي حزين واني علطول ببين عكس إكده
قالتها وهي تتنهد بقلة حيلة …فما بقلبها يقبع منذ سنوات ولا سبيل لراحته ثم نفضت ملابسها استعدادا للذهاب لبيت والد آيات للتحدث معه كما وعدتها.

وصلت أمام المنزل وبصوت عالً نسبيا هتفت منادية
_يا ست چليلة…يا أم آيات
انفتح باب البيت لتطل منه سيدة متوسطة القامة ثمينة البدن تقول بوجه مبتسم بعد أن استطاعت التعرف على صاحبة الصوت
_يااهلا وسهلا بالأبلة… تعالي يا أبلة شوج ..أدخلي ..الدار نور والله .

ابتسمت لها شوق وهتفت مجاملة
_منور باصحابه يا ست چليلة.
أجلستها أم آيات إلى مقعد في باحة البيت
لتهتف شوق بتساؤل
_أبو آيات أهني يا ست چليلة….كنت رايداه في كلمتين .

عرفت جليلة في اي شىء تريده شوق لذا هتفت بتوجس
_سيبك منها البت المخبولة داي …متخديش على كلامها عاد..داي بت السكينة سارجاها ومعنخودلهاش على كلام واصل .

طالعتها شوق بعتاب وهتفت بحزن
_ما تسيبي بتك تعمل اللي هيه عاوزاه يا ست چليلة …عتجفوا في طريجها ليه عاد.

جلست جليلة جوارها وتنهدت بغلب
_ان كان عليا أني ..ربك والحق البت صعبانة عليا جوي… لكن أبوها شديد ومجدرش عليه .

ربتت شوق على يدها وهتفت بحماس
_ان كان اكده سيبي الموضوع ده عليا أني …وأني هتصرف… جومي بس جوليله إني عايزة اتحدت معاه في كلمتين مهمين.

دلفت جليلة على مضض للداخل لتنادي على زوجها
ليأتي هو مقفهر الوجه يزم شفتيه فهو أيضا قد خمن في أي شىء تريده لذا هتف ساخرا
_عايزة إيه يا أبلة …اوعي تكوني عايزة تعطيني أني راخر دروس إياك ..ما هو ده اللي ناجص .

ابتسمت شوق وهتف بهدوء
_مهياش عيبة أبدا يا أبو آيات … الانسان بيفضل يتعلم كل يوم لحد ما يموت يا بونا …العيبة إننا نفضل مسنجرين راسنا على اللي ف دماغنا وبس حتى ولو كان غلط .

ليهتف هو غاضبا فبدا صوته مزمجرا
_وإيه الغلط بجى في إني بفكر في موصلحة بناتي وعايز أچوزهم وأسترهم … وأظن دول عيالي وأنا حر فيهم …إنشالله أموتهم حتى ولا حد له دخل يتحدت بكلمة واصل .
قابلت ثورته تلك بهدوء تام
_اجعد يا بونا ومتتحمقش إكده وخلونا نتكلم بالهداوة

لينتفض مكانه وأشاح بيده
_أني مهتحدتش مع حريم … يلا ارجعي على بيتك وسدي عليكي بابك

_وأنا مش چاية أجول كلام من عندي… أني جاية أجولك كلام سيدنا النبي عليه أفضل الصلاة وأذكى الصلاة

_اللهم صل عليك يا بني… ها جولي

 

 

 

 

_لأول أجعد اكده واهدى والكلام أخد وعطا وكله لموصلحة بناتك

_ادخلي في الكلام علطول

_جولي إنت خابر زين إن العلم لازمن ولابد منه ومبجاش حد دلوك بيمنع بناته من التعليم
_وأني ممنعتهمش وسبتهم يتعلموا كيف ما بدهم …لكن لحد هنا وكفاية يتجوزوا ويشوفوا حالهم وكفاية لحد إكده

_طب ولو البت زينة وشاطرة وبتيجي على العلام ورايدة تكمل …نجفوا في طريجها!!

احتدت ملامحه بضجر ليهتف باستنكار
_يعني عايزاني أودي البت أخر بلاد المسلمين …وأسيبها ترمح كيف الخيل لوحدها في بلد غريبة عنيها …وإحنا إهنه منعرفوش عنيها حاچة!!!

_مفيش الكلام ديه… هنحاول نوديها اجرب چامعة من إهنة مش في اخر بلاد المسلمين ولا حاچة، عايز تطمن عليها هيه ساعتين زمن وتكون عندها هناك.. وكمان هتسكن في سكن چامعي وفيه مشرفات وأمن عيخافظوا على البنات …ثم انك مربي بتك زين وعارفها وعارف أخلاجها يبقى ممنوش كلامك ده

فتح فمه ليتحدث معترضا على كلامها …لتردف هي مسرعة لحتى لا يستطيع أن يتحدث بعدها
_رسولنا الكريم سيدنا النبي جال
من سلك طريقاً يلتمس فيه علماً سهل الله له طريقاً إلى الجنة”

وكمان في مقولة بتجول
“اطلبوا العلم ولو في الصين”، يعني الرجال والنساء كماني …. ها جلت إيه أبو آيات…الله يرضى عليك سيبها تكمل البت دماغها واعرة جوي وإن شاء الله هترفع راسك وتكون حاچة كبيرة جوي تفخر بيها وتچول الداكتورة آيات چات الداكتورة آيات راحت …بلاش تقتل فرحتها وفرحتنا بيها .

وجدته صامتا شاردا فظنت أنه ربما متحير شائك بسبب المال ومصاريف تعليمها فقالت بنفس مترددة
_وان كان على الفلوس ف..فأني مستعدة اتكفل بتعليمها لحد ما تخلص وتتخرج كمان.

قالتها وفي قلبها تخوف وتوجس كبير أنها ستقبل نقوده ثانية .. فمنذ وفاة والدتها بعد معاناة مع مرضها والتي لم يكلف والدها نفسه بأن يأتي لزيارتها يوما الا يوم موتها حضر ليحضر جنازتها وعاد مرة أخرى. لتقسم شوق بعدها أنها لن تقبل منه أي إحسان أو منة بعد الآن فهي هكذا تعد نقوده التي يرسلها كل شهر فلا تشعر بأنه والدها وانما مجرد رجل غريب يتكفل بها،ولا هو يهتم بها حتى أنه لم يعرض عليها ان تعود معه إلى القاهرة وتركها تعيش وحيده وكأن الأمر لا يهمه

ليهتف هو بصوته الأجش وكأن حمية الرجولة قد جرت في عروقه
_لاه فلوس ايه… الفلوس داي آخر حاچة عفكر فيها .

ابتسمت هي
_يبجى على خيرة الله …أجوم افرح البت

ليقفز هو من مكانه يلوي من الغيظ
_كانها بنت المضروبة داي …جاتلك وشكتلك… وعلشان إكده جيتي تقنعيني …هتمشي كلتمها عليا إياك …وربنا لأكسر رجابتها على صدرها

بسرعة وقفت شوق أمامه ومدت كلتا يديها امامه تثنيه عما يود فعله
_استنى بس يا بونا مش اكده …إنت جلبت ليه إكده كيف ولا بلاش …اسمع البت مأجرمتش لما استعانت بيا ماهي شايفة مستجبلها بيضيع تعمل ايه تجعد تتفرج ولا تجعد تندب حظها!!… عارفة انها ضعيفة ومكسورة الچناح جدام ابوها وأمها مهتعرفش تعملها حاچة يبقى مفيش غيري يساعدها ويجدر يقنعك…وبعدين تمشي كلمتها عليك كيف بس والبت يا حبة عيني مبتجدرش ترفع رأسها تطلع في وشك ولا ترفع عينيها في عينيك …أيات طيبة ومكسورة بلاش تاجي عليها اكتر من إكده

ده سيدنا النبي جال
“رفقا بالقوارير “..
….بناتك سترك من النار يا سيد الناس بلاش تظلمهم وتستغل ضعفهم وخدهم تحت جناحك وتاويهم بعطفك وحنانك .. الرجولة مهياش فرد العضلات وشخط ونتر طول الوجت …كمال الرجولة إنك تكون حنين ولين مع أهل بيتك اللي هم في الأصل أولى

صمتت قليلا ثم قالت بنبرة ترجي مازحة
_ها جلت إيه .. بالله توافق …كنك عايز تردني والناس تأكل وشي… ده أهل البلد كلياتها فرحانة للبت ومعتمدين عليا إني هجدر أقنعك

_وهيه اشتكت للناس كماني

_لاه … بس كلهم عارفين ان البت غاوية تعليم وعلشان البت طيبة والبلد كلها تشهد بأخلاقها وأدبها الكل يتمنى ليها الخير .. فما بالك بأبوها بجى .

تنهد بقلة حيلة فشوق قد حاصرته ولم يستطع الخلاص
_ماشي وأمري لله …بس لو حصل حاچة اكده ولا إكده متلومش الا نفسها

_مهيحصلش حاچة واصل والبت هتكون عند حسن ظنك بيها وهترفع راسك كماني.

في تلك الأثناء طرق صبي الباب وهتف ليقول لشوق
_في راچل مستنيكي چدام الدار يا أبلة شوق

لتهتف شوق بتذكر
_اه تلاجيه عبيد اني شيعتله من يومين…توه لسه متذكر ياجي… ده ليلته هباب النهاردة ..الراجل الظالم مدشدش الكرسي على عياله وكسر عضمهم يا حبة عيني …ده أني كنت عايزة أبلغ عنه في القسم بسبب عملته داي …روح يا وله جوله أني چاية وراك أهو.

لتلتف هي لوالد أيات
_نادي على بتك وفرحها انت بنفسك ..يلا أنا مفضياشي خليني اروح للبو قبل ما يفر من يدي

_بت يا آيات… انتي يابت

قدمت آيات بسرعة لتلبي نداء أبيها في الحال
فوقفت أمامه تقوم مخفضة رأسها لأسفل متوجسة خيفة في اي شىء يريدها
_أيوة يابا

_عايزك تكملي علامك يا بت!!

ظنت أنه يوبخها وربما ستتلقى عقابا شديد فانكمشت في نفسها وقالت بصوت باكِ مستضعف
_ااا… ااااني ..يابا .. ماهو .. أصل…
ليقترب منها بضعة خطوات
فتعود آيات للخلف بزعر وهي تضع يدها أمام وجهها تخبئه وغيرت رأيها لتتفادي بطشه
_خلاص..خلاص يابا اللي انت عايزة هعمله…بالله عليك ما تضربني !!

لتتفاجئ به يحيطها بذراعه تحت أنظار شوق المبتسمة فرحا لفعلته

_متخافيش إكده.. أني موافج تكملي علام يا بت

 

 

 

حملقت في والدها بزهول وهتفت غير مصدقة
_صحيح يابا…

ونظرت لشوق بفرحة لا تسعها

ليهتف والدها بتحذير
_بس على شرط

بادلت نظراتها بين شوق وبينه لتهتف بلهفة وحماس
_اشرط يا بوي براحتك وأنا طوع يدك

_تحافظي على نفسك يابت وترفعي راسي والا هدفنك موطرحك بالحيا

أمسكت هيه يده الخالية وانخفضت لتقبلها
_اطمن يابا أني تربيتك …وعمري ما هدس راسك في الطين أبدا … ربنا يخليك لينا يابا وما يحرمنا منيك أبدا .

لتتنهد شوق براحة وتعود أدراجها مغادرة البيت
_مهمتي إهنة انتهت بنچاح… فوتكم بعافية هروح الحق ولد المخروب ديه .

لتلحق بها أيات وتلقي بنفسها بين أحضانها في عناق تبثها فيه كل فرحها وامتنانها لصنيعها
_أني معرفاش أجولك ايه ولا أشكرك ازاي يا أبلة شوق …إنتي رديتي روحي من جديد

_افرحي يا حبيبتي… واتعلمي وزيدي بيه چمال ورفعة
قالتها ثم هتفت بأبيات الشعر تلك قبل أن تعود لبيتها والتي باتت آيات تحفظها عن ظهر قلب
_ليس الجمال بأثواب تزيننا إنّ الجمال جمال العلم والأدب
وليس اليتيم من لا والدين له إن اليتيم يتيم العلم والأدب
كن ابن من شئت واكتسب أدباً يغنيك محموده عن النسب
حسود مريض القلب يخفي أنينه ويضحي كئيب البال عندي حزينه يلوم علي إن رحت في العلم دائباً اجمع من عند الرواة فنونه

فيا عاذلي دعني أغالي بقيمتي فقيمة كل الناس ما يحسنونه
قد يجمع المرء مالاً ثم يسلبه عما قليل فيلقى الذل والحرب
وجامع العلم مغبوط به أبداً فلا يحاذر منه القوت والطلبا

🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼 أسماء عبد الهادي
اقتربت من الباحة الأمامية لبيتها لترى ظل رجل واقف لم تتبين ملامحه جيدا فهو يوليها ظهره فأمسكت عصاتها واستعدت لتوح بها في الهواء لتضرب بها عبيد وقالت وهي مغتاظة منه
_أخيرا چيت …داني مغلولة منك اوي ….بقا يا راچل دي عملة تعملها في العيال وربنا إنت مفتري .

اقتربت منه أكثر لتتبين أن تلك الملابس يستحيل أن تخص عبيد فعبيد يرتدي دائما عباءة كعادة معظم أهل البلد

ليستدير هو ليقابلها بوجهه فتعود هي للخلف خطوة من أثر المفآجئة ولكنها لم تفتح فمها لتنطق بحرف واحد

ليهتف هو بوجه بشوش راسما على وجهه ابتسامة لم ترها شوق إلا مؤخرا فهو كان دائم العبوس في وجهها بل كان لا يوليها أي اهتمام على الاطلاق
_ازيك يا شوق

ابتلعت ريقها بغضب وهتفت بنبرة حرصت ألا تخرج ساخرة
_أهلا وسهلا يا غريب بيه …نورت البلد بحالها .
اقترب منها أكثر ليهتف بحميمية
_عاملة إيه يابنتي؟؟
هذه المرة لم تستطع أن تنمع نبرة التهكم من الخروج
_واه توك افتكرت إن ليك بنت وبتسأل على أخبارها

ليغضب غريب من حديثها ذاك
_شوق متنسيش نفسك أنا مهما كان أبوكي .

تنهدت لتخرج ما بداخلها من هم وحاولت أن تكون أكثر لباقة مع والدها رغم تخليه عنها طوال تلك السنوات… رغم غضبها الشديد منه ومن ظلمه لها ولأمها إلا أنه أبيها على أيه حال واحترامه واجب
_آسفة يا بويا …حقك عليا …أني كوويسة الحمد لله ..

قالتها ثم أشارت لباب منزلها لتدعوه للدلوف
_اتفضل أدخل ..البيت مش قد المقام .. بس أهو الحمد لله نعمة من ربنا .

لحق بها أبيها وعمد إلى كرسي بجواره طاولة مستطيلة الشكل فجلس إليه …لتدلف شوق غرفتها وتجر كرسيا آخر وتجلس قبالة أبيها
_نورت البيت يا بويا …يا ترى إيه سر الزيارة المفآجئة دي .

ثم هبت واقفة قبل أن يقول اي كلمة واقتربت من إحدى الزوايا حيث توجد طاولة مشابهة للتي يجلس إليها والدها وموضوع عليها بعض البرطمانات التي تحوي الشاي و السكر فأخذتهم وانحنت بجسدها نحو الشعلة لتعد لوالدها بعض الشاي

انتظرها والدها إلى أن انهت صنع الشاي وجلست جواره بعد ان قدمت له كوبا خاص به
لينظر لها مطولا بعد ان ارتشف بعض رشفات من الشاي
_ شوق إنتي هترجعي معايا مصر

 

 

 

حملقت به شوق في بادىء الأمر لكنها هدأت مرة أخرى وفتحت فمها لتعترض فكيف تعود بعد تلك السنوات وتعود من أجل من…هي في تلك البلدة في بيتها وبين أهلها والذين يحبونها… هل هناك مع والدها أحد يحبها او يعرفها من الأساس !!
الذي كانت تتوق للعودة لمصر من اجله قد فارق الحياة وتركها باكرا”المعلم حسام” فلم العودة إذا

لكنه سبقها قائلا ليعلل لما يريدها هناك
_ شوق انا محتاجك في خدمة ومتأكد إنك قدها .

استغربت حديثه فأي خدمة يريدها ابيها منها وهو رجل الأعمال المشهور ذو المكانة العالية

ليردف هو
_إخواتك يا شوق …إخواتك حالهم مش عاجبني وغلبت معاهم بكل الطرق ومفيش فايدة علشان كدا قلت مفيش غيرك اللي هيصلحهم ..وخاصة بعد ما شفت طريقتك في البلد هنا والناس كلها بتعملك ألف حساب .

_مش فاهمة يابا انت عايزني أعمل ايه معاهم …ادرسلهم يعني !!

_اعملي اللي تعمليه معاهم مش هناقشك المهم اخواتك حالهم ينصلح قلت إيه

لتهتف هي بمرارة عاتبة عليه
_ودلوك توك … شفتني… توك ءامنت بيا وبقدراتي … وإني هيجي مني …هل بقيت دلوك أنفع أكون بنت غريب بيه وهشرفك وسط الناس!!!

ليهتف هو بجمود كعادته
_شوق ممنوش لازمة الكلام ده دلوقتي ..المهم جهزي نفسك علشان اوديكي عند اخواتك

لتنفعل هي ولم تستطع كبح جماح غضبها
_أومال ايه اللي له لازمة!! موصحلة أولادك مش إكده… مش مهم انا اولع بجاز ..المهم أولادك اللي معرفش شكلهم ولا سنهم ولا حتى اسمهم إيه ….مشاعري أنا وقلبي المكسور ادفنهم بالحيا علشان أبويا ميهموش غير موصلحة اولاده اللي لولاها ما كنت شفته قدامي دلوك ولا عبرني!!! وحتى ياريتك چيت علشان تأخدني أعيش معاكم اللي ما عملتها بعد موت أمي وقلت أخدها حرام أسيبها قاعدة لحالها …لاه چاي تأخدني أعلم أولادك اللي مسميهم اخواتي… اخواتي من أي اتجاة عايزة أفهم… أخواتي من أبويا اللي معرفش عنه حاجة غير اسمه ولا عمري في يوم حسيت بأي عاطفة من ناحيته تچاهي!! أبويا اللي كنت بتقطع من قسوته وبعاده عني …اللي كنت أتمنى في يوم يأخدني في حضنه ويحس بمشكلتي ويقولي هنتخطاها سوا …مش يبيعني مع اول فرصة علشان يخلص مني ومن مشكلتي ..ويرميني أنا وأمي في بيت زي ده رغم بيتك الكبير اللي في مصر …

اخذت نفسا محملا بكل الوجع الذي قد يحمله إنسان وأخرجته بغُلب فلا فائدة الكلام ولا العتاب فلا شىء مما فات قد يعود
_بس صحيح معاك حق يا بويا ممنوش عادة الكلام دلوك خلاص

ظنت أن بكلماتها المعاتبة تلك ان تراه نادما لكن لا شىء ما زال على جموده التي تعهده عليه دائما
لتجده يقول بضجر

 

 

 

_لو خلصتي كلامك ياريت تجهزي علشان نمشي

إغتاظت من تلك اللامبالاة وذلك البرود الذي يغلف قلبه …يالا ذلك الرجل.. لا يحمل في قلبه ذرة حب او مشاعر والدة تجاة ابنته
لذا هتفت ترفض دعوته
_أني اسفة يا غريب بيه … شفلك مدرس غيري يدرس لعيالك… اني منيش فاضية أهل البلد محتاجني أكتر من أي حد… على الأقل عيالك تقدر تچيب ليهم مدرس او اتنين او ثلاثة .. لكن هنا الناس مش لاقية تأكل يا غريب بيه ورغم إكده الحب مالي جلوبهم وفايض كمان لدرجة إنهم بيوزعوه على بقية الخلق .

زفر غريب حانقا وتحدث بحدة
_ شوق انتي مش هتكسري كلامي …قلت هتيجي معايا علشان اخواتك يعني هتيجي انتي فاهمة!!! ومفيش مجال للنقاش.

أغمضت شوق أعينها بحسرة ووجع فها هو يعاملها معاملة الغريب وكأنها لا تنسب له يوما لذا هتفت بقلب مكسور ينزف وجعا مدميا
_حاضر يا غريب بيه اللي تؤمر بيه هاجي إمعاك أعلم إعيالك …دقايق بس ألم خلجاتي وچاية

غابت عنه لبضع دقائق على ما يبدو أنها كانت تبكي خلالهم حسرة على حالها لكن كان عزاءها الوحيد أنها تستذهب لتكمل مسيرة معلمها…فتعليم أخوتها هدف نبيل وجزء من رسالتها …لذا عزمت أن تنهي مهمتها مع اخوتها الصغار وتعود مرة أخرى لدارها … مدت يدها أزاحت تلك العبرات العالقة على أهدابها ….لتعود مرة أخرى وتحمل حقيبة صغيرة تحوي ملابسها وبعض متعلقاتها الشخصية
_أني جاهرة ..بس جولي هما إخواتي دول كم أعمارهم علشان يكون عندي فكرة في الأول بس بدل ما أنا على عمايا إكده.

اطفأ السيجارة التي كان أشعلها بينما ينتظرها الى أن تنتهي وهتفت بهدوء
_الكبير ،٢٥.. الوسطاني ٢٢ والصغير ١٩

حملقت به بزهول 😳😳😳
_؟؟؟؟ كام؟؟؟ …دول شحوطه يابا هعلم فيهم إيه دول ..يادي المرار الطافح …أني فكرتهم عيال أكبرهم في الأعدادي ولا الثانوي

وبكدا
خلصت شوق فتاة الديسلكسيا التي استطاعت بفضل مثابرتها التغلب على مشكلتها التي كانت تتعرض بسببها للتنمر من الزملاء والمعلمين وحتى والدها الذي أبعدها عن طريقه لمجرد أنها تعاني من صعوبة في التعلم
ولكن الجزاء من جنس العمل فها هو ابتلاه بذرية أخرى تعكر عليه صفو حياته

يتبع…

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *