روايات

رواية غرورها جن جنوني الفصل السادس عشر 16 بقلم ابتسام محمود

رواية غرورها جن جنوني الفصل السادس عشر 16 بقلم ابتسام محمود

رواية غرورها جن جنوني البارت السادس عشر

رواية غرورها جن جنوني الجزء السادس عشر

رواية غرورها جن جنوني الحلقة السادسة عشر

رمقها بضيق لسؤالها الغريب وغير المنطقي، استقام فخلع حذاءه ثم نام مرو ثانية على الفراش وأبلغها بنبرة بها حدة:
– كده على ما أظن وضح هعمل إيه.
– أنا مالي أنت هتنيل إيه.. أنا عايزة أنام، ممكن أعرف هنام فين في البيت اللي شبه علبة الكبريت دا؟
نظر حوله ثم قال:
– مفيش قدامك أي خيار غير السرير دا.
كادت أن تتفوه، لكنه أخرسها بقوله وهو يشير نحو الباب الذي يوجد آخر حجرته:
– وقبل ما تتكلمي مش عاجبك ادخلي نامي مع الهدوم في الأوضة اللي جوه، يا تنزلي تنامي على الكنبة تحت.
– يا سلام على ذوقك العالي، أنت جايبني من بيت أبويا علشان تمرمطني وتنيمني على الكنبة.
نهض بعد أن استحوذت عليه العصبية بقوة مرددًا من بين أسنانه:
– مع إني قلت ليكي من البداية غير كده، بس ما علينا بلاها كنبة وأرجع اعيد كلامي.. تعالي نامي على السرير.
تنحنحت وأردفت بمسكنة وتمثيل:
– كنت متأكدة من نبل أخلاقك العالية، اتفضل يلا انزل نام تحت.
– نبل مين وأخلاق مين اللي عالية، ومين دا اللي ينزل ينام تحت؟ بت أنا دمي بيغلي، ومن الصبح بحاول أسيطر على نفسي، فابعدي عن وشي أحسنلك.
– وإن ما بعدتش؟
قالتها بحدة واستفهام، وهي تضع يدها على خصرها، فيقول بنفاد صبر:
– هولع فيكي وفيا وفي البيت كله علشان ترتاحي.
– والله! وأنت كده مقتنع إني ارتحت وبالك هيكون مرتاح وأنت ميت محروق؟

 

 

نهض ليمسك وجنتيها بغيظ، ويقول لها بتحذير:
– توتا أنتي عايزة مني إيه؟
– واحدة زيي تفتكر هتعوز منك أنت إيه؟
– حلو أووي، كده فل. أنتي ومش عايزة مني حاجة وأنا مش عايز منك حاجة يبقى اتفضلي وريني عرض قفاكي.
قالها وهو يزج بها لخارج الحجرة، فتستدير تبعد يده وتقول:
– أنا عايزه أنام هنا.
أغمض عينه وقبض يده بقوة وقال من بين أسنانه:
– نامي.
– أكيد مش هنام جنبك، أنت مفيش دم نهائي.
– وأنتي مفيش إحساس ولا دم ولا مفهومية.. دا بيتى اللي تعبت على ما عملته وفي الآخر تكرشيني من أوضتي اللي دافع فيها دم قلبي.
نظرت للمنزل بعين متفحصة، ولوت شفتيها يمينًا ويسارًا ثم قالت بسخرية، وهي تمصمص شفتيها كالنساء الشعبيات:
– اللي يسمعك يقول قاعد في قصر، دا مش مكمل حتى شقة محترمة.
أردف وهو يلوح بيده:
– ودا اللي عندي، لو مش عاجبك…
– آه كمل لو مش عاجبني اعمل إيه؟

 

 

رد عليها بنبرة جديدة بها حزن وألم:
– ما اقدرش حتى أتمنى ليكي حاجه توجعك، اتفضلي نامي.
ثم تركها بملامح حادة وجسد متشنج العضلات، وقبل أن يصل إلى الباب ألتفت لها يخبرها بتساؤل وضيق:
– أنتي ليه ما قولتليش قبل كده إن كابتن مهيمن مش أبوكي؟
تلألأت الدموع داخل مقلتيها وتفوهت بصوت به بحة بكاء:
– مهيمن هو بابايا وعمري ما حسيت بغير كده، ولو سمحت ما تتكلمش في الموضوع دا تاني، تمام.
– لا مش تمام، أنتي دلوقتي مراتي وبعد إذن حضرتك كلامك مع أي راجل غيري يكون بحدود؛ لأن ربنا وحده يعلم أنا من ساعة ما عرفت وحالي إزاي.
قال كلامه بعصبية مفرطة، وعندما أخرج آخر حروفه الحادة ترك لها الغرفه بأكملها، رمت جسدها على الفراش وأجهشت في البكاء، فكلامه أدمى جرحها الغائر الذي كانت تحاول أن تداويه. نعم، الكثير من البشر يكرهون الكذب ويبتعدون عمن يتصف به، لكن بالنسبة لها كانت تريد أن لا تُكتشف الحقيقة، وتكمل ما عاشت به وتستمر في أفضل حقيقة بالنسبة لها، لكن دائمًا القدر يلعب دوره بحياتنا ويعرفنا أشياء ويتعمد لفت انتباهنا وتذكيرنا بإنها كذبة، وبرغم معرفتها بالحقيقة ما زالت أجمل كذبة عاشت بداخلها، وتمنت ألا تُعرف الحقيقة يومًا.. وبقيت عمرها بأكمله داخل أعظم كذبة تمتعت بها وستظل تحبها، برغم علمها بها.
تسطح “حازم” على أرض الحديقة التي تحيط المنزل الصغير، ينظر على ضوء القمر الخلاب الذي يملأ المكان، فهو يشع طاقة أمل داخله دائمًا. كم يعشق النظر إليه مثل كل العشاق اللذين يجتمعون تحت ضيائه حتى يوحي لهم بكل معاني الحب وحروفه! إلا هو؛ يجتمع دومًا هو والقمر بمفردهما يروي له بما يكنه قلبه لها، حتى يصعب عليه حاله ويسرد هو بدلًا منه كل رسائله لها.
★★★★★

 

 

صعد “مستقبل” غرفته وقبل أن يدخل تذكر ما حدث من قليل وذهب لأخيه يفتح الباب عليه يقول بدون أي مقدمات:
– هي كاميليا قالتلك حاجة النهاردا.
– عن إيه؟
– لا بسأل.
– وهو فيه حد يفتح الباب كده ويسأل حد على خطيبته، ما تنجز وقول فيه إيه؟
حك مقدمة رأسه وهو يفكر سريعًا ويجيبه:
– أصل لاقيتك واقف مع البنات وعارف إنها بتغير لما تشوفك معاهم، وبعد كده دخلت أوضتك على طول، وأهو شكل خلقتك مقلوب.
زفر أنفاسه بحنق ويرد عليه:
– لا ما اتكلمتش أصلًا عن حاجة خالص.
– طيب كويس، تصبح على خير.
– وأنت من أهله يا عم وكيل النيابة.
لم يتحرك من أمامه وسرح وهو يحدث نفسه:
– يا ترى ناوية على إيه يا كاميليا، مش عوايدك تسكتي وكمان تسمعي وتتجاهلي وتعتبري الموضوع ولا كأنه حصل، لا دا مش طبعها، هي أكيد ما سمعتش وكاري هي اللي فهمت غلط، بدليل إنها أخدته من وسطهم زي عوايدها بقلة ذوق، أيوه كده صح.
كان يتطلع به “وجود” وقال بصوت مرتفع:
– مش قلت من ساعة تصبح على خير، سرحت في إيه يا مندوب أبليس.
نظر إليه وهو يفكر بصوت مسموع:
– أنا عايز أعمل حاجة مجنونة بكرة أصالح بيها كاري.

 

 

– وإيه الجديد ما أنت كل حاجة بتعملها مجنونة.
– محتاجك معايا تساعدني في شوية حاجات.
كان الدور على “وجود” في الشرود، فأردف “مستقبل”:
– وصلت لحد فين؟
ابتسم ابتسامة لها مغزى وهو يرد عليه:
– معاك طبعًا يا شق.
– أصلي يا شق.
★★★★★★
ظل الجميع بلا استثناء يفكرون ويدبرون مع ذاتهم خططًا للأيام القادمة. أتى نور الصباح المشرق، صعد “حازم” وطرق بابها بهدوء:
– ممكن تقومي تجهزي علشان هنبدأ تكثيف تمرين من النهاردا.
أجابته بنبرة مبحوحة:
– اتفضل أنت امشي.
أغمض عينه وتمنى أن تقيد أنفاسه ولا تكون هي على هذه الحالة، أردف بوهن:
– طيب أنا متعود اسمع صوت غير دا، أفهم من كده إن أنتي بتعيطي؟
ابتلعت ريقها ومسحت وجهها الباكي بسرعة وهي تقول بحدة:
– لا تفهم من كده إنك صحيتني من نومي.
أخذ أنفاسه ثم قال:
– تمام، أنا هستناكي.
– انزل أنت هخلص شوية حاجات وهحصلك.
زفر أنفاسه بحنق وهو يضرب بيده عرض الحائط، قبل أن يتفوه:
– براحتك يا توتا، يا ريت ما تتأخريش.
★★★★★

 

 

استيقظ “مستقبل” وأخذ أخاه الذي تجاهل اليوم خطيبته تمامًا، وذهبا إلى كافيه تجلس به دائمًا “كارما” “وزينة” وباقي أصدقائهما، يصنع منصة متوسطة الحجم ويغطيها بأكملها، أخذا وقتًا كبيرًا في صنع المنصة.
★★★★★★
تجلس “نايا” مع زوجها على الأريكة بالصالة وتضع رأسها على قدمه وهو يمسد على شعرها بحنان بكف يده، وتقول بابتسامة عريضة تنمّ عن سعادتها:
– أخدت بالك من تجاهل وجود للممرقعة.
ابتسم ابتسامة جانبيه وهو يضع مقدمة أنفه على أنفها:
– أحبك يا لماح.
ضحكت بقوة وهي تنهض تصفق بطبعها الجنوني:
– أنا فرحانة أووي، مش بتنزل من هنا.
قالتها وهي تشير بكف يدها الي حلقها. واذا بها تتفاجأ بمن اقتحمت عليهما خلوتهما، ذات البشرة الملونة بجميع ألوان الطيف حتى بالصباح، وتقول بتساؤل بعد أن ألقت عليهما الصباح:
– وجود فين؟ شكله لسه نايم هطلع أصحيه.
وقفت “نايا” مسرعة على قدمها بعدما نظرت لزوجها بدهشة وأخبرتها بحزم:
– هو أنتي يا سكر بتسألي وتردي على نفسك؟
أردفت بتعالٍ وأنف تكاد تصل للسماء:
– طالما مش هنا يبقى فوق.
– بجد؟
قالتها “نايا” وهي تربع يدها وترفع حاجبيها عاليًا وتعوج رأسها بتساؤل، فوضحت “كاميليا” وهي تلعب بشعرها صاحب اللون المستعار وبنبرة ثقة وغرور:

 

 

– يا أنط أنا متأكدة إن وجود مش هينزل ويسبني، ثقة بقى في حبيبي.
قالت حديثها وهي متعمدة إغاظتها، فهي تعلم تمامًا بعدم تقبل جميع أفراد أسرته لها، تنهد “مهيمن” بضيق ونهض يضع يده على كتف “نايا” التي اشتعلت بها النيران من صفاقتها، قائلًا بثبات وببرود:
– شكله نسي يقولك إنه هينزل مع أخوه النهاردا، أو أنتي اللي نسيتي إنه قالك، وفي كلتا الحالتين أنتي اللي غلطانة.
أرجعت خصله من شعرها المتبعثر وابتلعت ريقها بإحراج، تقول بنبرة بها دلع مصطنع بعد أن سعلت:
– آها صح هو قالي قبل ما ينام، أصل طول الليل كان بيكلمني، وبصراحة مش فاكرة غير كلامه اللي بيوصف بيه جمالي وحبه ليا.
فكانت “نايا” ترمقها بعين تحمل الشرار، فأحاطها “مهيمن” بذراعه بقوة حتى لا تنقض عليها تفترسها، وسألتها من بين أسنانها ساخرة مع ابتسامة تحمل الكره:
– والله؟
فأجابتها “كاميليا” بعنجهية قبل أن تنصرف:
– والله.
وعندما انصرفت، ترك مهيمن زوجته وهو يزفر أنفاسه بحنق، فأطلقت هي عنان صرخاتها المستشيطة غيظًا، فقال “مهيمن”:
– داهية في تقل دمك.
فحدقته “نايا” بغل متمنية أن تخنقها:
– البت دي ناوية على موتي.
وضع يده على ثغرها وبصرها بنظرات عتاب وأردف بهمس حنون:
– بعد الشر عنك يا قلب قلبي، إياكي تنطقي وتقولي على نفسك كده تاني.
شعرت بحزنه وتأثره فردت وهي تعانقه:
– آسفة يا حبيبي بس هي مستفزه أووي.
ضمها بتملك مرددًا بثقه وتأكيد:

 

 

– إن شاء الله مش هتكمل مع ابنك، ودا الواضح من تصرفاته اليومين دول.
رفعت رأسها من على صدره العريض بتساؤل:
– تفتكر اكتشف حقيقتها وإنها بتستغله مش أكتر.
رفع حاجبه الأيمن وهو يبتسم ويجيبها بسعادة:
– أفتكر إن قلبه دق بجد والله أعلم.
دق قلبها بسرور وكاد أن يقفز من مكانه:
– يا رب اللي حاسة بيه يكون صح.
– إن شاء الله، ويلا انزلي كملي شغل في اختراعك.
أردفت بحزن:
– زعلانة أوي على توتا.
– وإيه لزوم الزعل.
– أنت مستهون الكلمة اللي اتقالت قدام الناس امبارح.
– الناس كلهم اللي كانوا موجودين عارفين إنها بنتي بالتبني.
– بس عيالهم لا.
أخذ أنفاسه وهو يردف:
– نايا اللي حصل حصل واتفضلي روحي شوفي شغلك، عايزين نفوق شوية لبعض زي زمان.
وضعت قبلة على وجنته بعدما قالت:
– حاضر يا حبيبي.
★★★★★

 

 

بعد أن انصرفت “كاميليا” من فيلا “مهيمن”، ظلت تمشي بالشوارع ودموعها تنحدر بقوة وصوت شهقاتها يصم الآذان حتى مسحت عبراتها وتفوهت بامتلاك:
– أنت بتاعي أنا وبس يا وجود مهما يحصل هتكون ليا أنا في النهاية، ولو مش بمزاجك هيبقى بمزاج أهلك اللي بيكرهوني من أول يوم.
ثم أكملت بصوت كالفحيح:
– كده الجيم بدأ، لما نشوف يا “وجود” الجيم أوفر هتبقى لصالح مين.
★★★★★
بعد ساعات في الكافيه الذي يجلس فيه “مستقبل” ويحضر مفاجأة، حضرت “كارما” “وزينة” ومجموعة من أصدقائهما، فانسحب “مستقبل” ودخل أسفل المنصة، وجلس “وجود” على مقعد يحتسي القهوة ويتجاهلهما، فاستنشقت “زينة” عطره قبل أن تتفحص المكان، ثم تشاهده من ظهره، فوكزت “كارما” تبلغها بهمس:
– وجود قاعد هنا.
حدقتها بابتسامة وهي تتحدث بمشاكسة:
– شكل الإعجاب استوى ودخل على اهتمام كمان يا سيدي.
رفرف قلبها كالعصفور وأغمضت عينها وتمسك يدها تقول بهيام:
– تفتكري؟
– وأفتكر كمان أكتر من كده وناقصله تكة.
استدار “وجود” برأسه نحوهما ويدعي عدم معرفته أنهما بالمكان، فيضيق عينه وينهض يتفوه بدهشة:
– زينة وكارما لا مش معقول.
– آه شوفت، أكيد صدفة صح.
قالتها “كارما” بخبث، فهز رأسه بنعم وهو يبتسم.

 

 

– وهتقول ربما صدفة خير من ألف ميعاد.
هكذا كان ردها الذي يظهر عليه السخرية، فأجابها “وجود” وهو يضرب مؤخرة رأسها:
– صح كنت هقول كده، ما شاء الله عليكي لماحة وبتلقطيها وهي طايرة.
– شكلك أنت اللي تلميذ مستقبل، وعلى فكرة تلميذ خايب ومفقوس.
قالت آخر جملة وهي تلوي فمها وتشوح بيدها اليسرى وتمسك “زينة” الولهانة من يدها اليمنى وتمشيها أمامها وتتركه، وقبل أن تجلس سمعت خلف ظهرها صوت أنفاس عالية وصوت فرقعت ألعاب نارية. استدارت مسرعة، رأت مشهدًا رومانسيًّا لم تتخيل أن تراه من قبل حتى بأحلامها، بلالين تتطاير ورق الزينة يتساقط وحبيبها يقول:
– بقى أنا تخليني ألف حوالين نفسي وانزل من بيتنا الساعة ستة الصبح، وابقى مش عارف أروح فييييييين؟ ومين أصلًا يقدر يستنتج أنا رايح فين وهعمل إيه غيرك.
بعد أن زادت نبضات قلبها فرحًا، انعكس الوضع وتدفق الدم إلى رأسها حتى وصل للغليان، فأكمل “مستقبل” وهو يشير على مجموعة من البنات:
– طيب ممكن انزل اتمشى في الحتة الطرية دي، علشان خلاص دماغي هتسيح من الاستيدج.
فصعد إليه أخوه يوكزه ويقول:
– ما تركز في ليلة أهلك ديه.
فتفوه “مستقبل”:
– طب خلاص كله يركز معايا شوية.
زفر أنفاسه التي لم تهاوده على خروج حروف الاعتذار، وقال وهو يغني:
– دلوقتي بدأ الهرش وزحمة وناس بتزيد وأنا بتفعص من صم بادي مي (some body me)، طلعوا شوية من الناس دي بره، وحد يقول للقهوجي اللي عمال يحشر في الناس كفاية شوية معاليك، خف شويه معاليك.
رمقته بحدة وقررت أن تنصرف وتترك له الهرج والمرج الذي تسبب به في المكان، فتفوه بسرعة:
– أي لاڤ يو كارما.

 

 

بعد أن نطقها صمت وانتظر ردًّا منها، فأخذ منه “وجود” مكبر الصوت وصدح بقول:
– وأنا بحب بنت خالتها برضو.
بعد سماع هذه الجملة ساد الصمت لثوانٍ ثم علت الأصوات بالهمهمات بين الحضور في ثرثرة بين الجميع، ورمق “زينة” التي لم تعرف ما حدث بها؛ فشعور بالهذيان مع الجنون مع تثلج جسدها مع عرق يتصبب منها وكل هذا عبرت عنه بوقوفها المتجمد، وفتح حدقتها على وسعها وسقط فكها السفلي بذهول من غرابة الموقف، فقال “مستقبل” مستغلًا الفرصة:
– مش أنت كراش تبع كاميليا، جرى إيه يا شباب اتلموا.
فتحدث “وجود” بارتباك:
– استنى كده لما اعمل زوم عليها اتأكد مين هي.
فأبلغه “مستقبل”:
– طب يا شباب أنا لازم اخلع، لا هستنى دي البنت دي جاية عليا.
فقال وجود بضيق:
– يا عم ما تهمد شوية.
فقال “مستقبل” وهو يشير إلى “زينة”:
– طب ما تصدقيهوش دي اشتغلاية.
– ما تفوق ياض وصحصح، وانجز وقول أحسن خطيبتك تطلع جنانها علينا.
فأردف هو ينزل يقترب من “كارما”:
هي هي.. هي كاري اللي بحلم بيها طول عمري، ولا عمري حبيت غيرها وهي كيكي وتوتو وسوسو وهي خطبتي اللي هتبقى أم عيالي اللي بحبها من سنين، سو سو سو سوري كاااااااري، ياريت ما تعكننيش عليا تاني مرة.
سحقت أسنانها بنفاد صبر وصبت عليه جام غضبها:

 

 

– أنا يا أكلح ياللي تنقط بلد، كل ما تخليني انسى تزيد الطين بلة.
اقترب منها أكثر وتبادلا النظرات الشغوفة وهو يمسك يديها، فسكنت عن غضبها وأردفت بترجٍ:
– وعد يا مستقبل تبعد عن نون النسوة كلهم.
أومأ رأسه بصدق، ورفع يده يمسح دموعها التي انحدرت، فكانت عبراتها تشعل قلبه:
– بطلي بقى عياط لاخدك في حضني أطفي بيكي ناري، وإخواتك يطبوا علينا يولعوا فيا.
ابتسمت وهي تمسح مقلتيها.
– بعد الشر عليك.
ثم ضربته على كتفه، فيقول بمزاح:
– مش عايز من العقاب أبو ضرب، نفسي في العقاب أبو بوسة.
– لو شوفتك بتكلم بنات تاني اعمل فيك إيه؟
– ما أنا وعدتك، ايه لزوم الكلام دا تاني؟
– يا حبيبي دا افتراض.
– لا دا افتراء، إياكي تنطقي بكلمة.. أنا راسي ومحترم غصب عن أي حد.
تعض على شفتها السفلى وتقول بغيظ:
– طيب هو الباشا المز التقيل الراسي الغالي الخلوق المحترم، بياخد صور في حضن واحدة غيري ليه، ليكون صورة تذكارية.
– دا.. دا كان حضن عادى يعني وهي اللي طلبت، خلاص بقى وعدتك ما يبقاش قلبك أسود.
– طب تتكرر تاني يا مستقبل.
– هو صدرك دا ميعرفش ياخد نفسين على بعض، اهدي يا ماما شوية، قلت وعد وعد وعد.
وفي أثناء هذه اللحظة قفز “وجود” من على المنصة متقدمًا نحو “زينة”، التي كانت من شدة الفرحة تكاد تلمس السماء بيدها فيقول:

 

 

– على فكرة كل اللي قولته دلوقتي من قلبي، أنا مش عارف إزاي كنت شايفك طفلة.
– أحمممم طب ودلوقتي؟!
قالتها “كارما” التي تدخلت بالحديث باستفسار، فأجابها وهو ما زال ينظر على حبيبته التي خطفت فؤاده:
– أحلى وأرق وأطيب وأحن آنسة.
فنظرت “كارما” على من لا تتحرك ولا تتنفس:
– يا عم بشويش على البت، دي شكلها ماتت من المفاجأة.
– يا ست الدكتورة ما تسبيهم مع بعضهم وتعالي لما أقولك.
قالها “مستقبل” وهو يجذبها من يدها بعيدًا عنهم، ذهبت معه يُكملون مشاكستهما. فمسك “وجود” يد “زينة” يهزها بهدوء، لم تعطِه غير تنهيدة حارة، فنطق حروف اسمها أول مرة بنبرة جديدة، جعلت أعصابها ترتخي وتغمض عينها؛ فكانت تذوب عندما يقول اسمها بصوته الأجش، فكيف يحدث لها الآن؟! قلق عليها بشدة هو لا يرى فتاة بهذا المنظر من قبل:
– زينة.. أنتي كويسة؟!
هزت رأسها بنفي وهي تهمس بأنفاس متقاطعة:
– محتاجة حد يصحيني مش قادرة هموووت.
– ومين قالك إنك نايمة، زينة ركزي معايا.
فتحت عينيها وظلت تبصره بدون أن ترمش رمشة واحدة، فقال بحزم قبل أن يتركها حتى تركز معه:
– تمام خليكي بقى متنحة وأنا همشي.
– وجود.

 

 

وقف مستديرًا رأسه حتى تكمل حديثها:
– أنت بتحبني بجد، ولا بتاخدني على قد عقلي.
تقدم إليها بخطوات سريعة يصارحها بما يكنه قلبه لها:
– أنا عمري ما قولت قبل كده كلمة بحبك غير ليكي، عمري ما حسيت باللي في قلبي دلوقتي غير معاكي، طول عمري بفتكر الحب أفعال، إنما دلوقتي لا مشاعري هي اللي بتحركني.. أنا حاسس إني مش أنا، كنت بفتكر كلام الحب والمشاعر بيقلل من هيبة الراجل، أول مرة أحس إني فعلًا راجل وليا مشاعر وأحاسيس، نفسي أعمل دلوقتي حاجات عمري ما فكرت فيها. شوفتي بقى حبك عمل فيا إيه، فدلوقتي أنتي اللي هتقرري إذا دا حب ولا بضحك عليكي؛ لأن فعلًا ما اعرفش.
رجفة سرت في أوصالها:
– وجود أنا بحس بكل اللي بتقول عليه، دا أكيد حب؛ لأني بحبك بحبك بحبك.
مسك يدها قبلها وقال بصدق:
– في أقرب وقت هتكوني على ذمتي.
وقبل أن ترد وقد وصلت لأعلى سحابة، اقترب منهما “مستقبل” يبلغه بجدية:
– وجود بابا اتصل ومتعصب جدًّا وبيقول قابلوني عند صالة حازم.

يتبع…

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة باقي حلقات الرواية اضغط على : (رواية غرورها جن جنوني)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *