روايات

رواية سدفة الفصل الحادي عشر 11 بقلم آية شاكر

رواية سدفة الفصل الحادي عشر 11 بقلم آية شاكر

رواية سدفة البارت الحادي عشر

رواية سدفة الجزء الحادي عشر

سدفة
سدفة

رواية سدفة الحلقة الحادية عشر

“حضرتك فاهم غلط يا عمي دا….”
قاطعه رشدي قائلًا:
“فاهم إيه غلط ما أنا شايف بعنيا أهوه!!!!”
قالها رشدي منفعلًا وهو يشير لصدر رائد العاري ولابنته التي تسارعت أنفاسها هلعًا وفزعًا!
استطرد رشدي:
“إنت لازم تصلح غلطتك… ابنك لازم يصلح غلطته يا دياب”
(١١)
#رواية_سدفة
بقلم آيه شاكر
بدل «دياب» نظره بينهم في ريب ثم غرس عينيه في عيني ابنه وقال:
“إنتوا بتعملوا ايه في الحمام يا رائد؟!”
أخذ «رائد» يُعدل من ملابسه في اضطراب وعيناه تتجولان في ملامح والده، وقال بنبرة مغلفة بالقلق:
“والله ما كنت أعرف إنها هنا يا بابا”
أطلق «رشدي» ضحكة ساخرة وعقد ذراعيه أمام صدره وهو يقول متهكمًا:
“اه عبيط أنا بقا عشان أصدق…”
نظر رائد لـ رشدي وهو يقول تلك الجملة وازدرد لعابه ليبلل جفاف حلقه ثم بدل نظره لـ دياب وقال بنبرة مرتعشة:
“والله العظيم دي الحقيقه وفيه حد قفل عليا الباب من بره”
رفع رشدي ذقنه لأعلى وقال بعناد:
“أأ…أنا مليش دعوه بالكلام ده إنت لازم تصلح غلطتك”
نفذ صبر «رائد» فقال بنبرة مضطربة ومتضجرة:
“غلطة إيه!!! مفيش غلطه ولا حاجه أنا كنت داخل أخد شاور ومشوفتهاش وهي قاعده في البانيو… اسألوها هي كانت بتعمل إيه هنا!!”
كان «دياب» يرشق ابنه بنظرات مبهمة ويبدل نظره بينهم في صمت ثم يعود ليتفرس ملامح ولده عله يلتمس منها أصادق هو أم كاذب؟ حتى أثار انتباهه رشدي الذي دنا من ابنته وجذبها من ذراعها بعنـ…ف هادرًا:
“اعترفي يا نداء وقولي كنتوا بتعملوا إيه هنا!! انطقي”
جف حلقها وارتعد قلبها، حاولت اخراج الأحرف من بين شفتيها ولم تستطع وكأن فمها أُوصد بقفل ولا تملك مفتاحه، فبم ستفسر بقائها في ذلك المرحاض ةفي هذا الوقت! أتقول أنها كانت نائمه أم أنها تسير وهي نائمة أو ربما كانت تغتسل؟! ظلت الأفكار تطيح برأسها حتى هزها والدها بعنـ..ف وقال بنبرة مرتفعة حادة:
“انطقـــــــي…”
زلزلها صوت والدها وكأنه كان مفتاح شفتيها فنطقت على الفور بأنفاس متسارعة وصوت متهدج:
“أنا… أنا كنت…”
صمتت هنيهه ثم أردفت بنبرة مرتعشة:
” يا بابا والله مفيش حاجه أنا…”
احتبست الكلمات داخل صدرها ولاذت بفقاعة من الصمت، طأطأت رأسها في خجل وهي تضغط شفتيها معًا ووتحبس العبرات التي تلمع داخل أسوار مقلتيها، والجميع يُطالعونها بترقب حتى قال والدها بنبرة جليدية:
“إزاي مفيش حاجه… ما تقول حاجه يا دياب ما إنت شايف بعينك”
قالها ثم نظر نحو دياب الذي طالع رائد لبرهة ثم بدل نظره لنداء وقال بنبرة هادئة:
“انزلي يا نداء تعالي ادخلي أوضتك!!”
ثم رمق رائد بنظرة جانبية وأردف بنبرة يشوبها الحدة:
“وامشي يا رائد ادخل أوضتك”
أومأ رائد بالإيجاب مرددًا:
“حاضر يا بابا عن إذنكم”
وثبت نداء مسرعة وهرولت لغرفتها متحاشية النظر لأي منهم كي لا تنفجـ…ر بالبكاء أمامهم، وكان «رائد» يهز عنقه يمنة ويسرة مستنكرًا وقبل أن يخطو هو الأخر بخطوة رمقه رشدي بأعين متسعة وصاح وهو يُطالع دياب:
“ألاه هو رايح فين؟… إنت هتسيبه يمشي يا دياب من غير ما تديله قلمين…”
كاد رائد أن يبرر مجددًا ولكن ضـ…رب دياب على كتفه بخفة قائلًا وهو يوقع كلماته:
“ادخل أوضتك يا رائد”
زم «رشدي» شفتيه وامتعضت ملامحه فدنا منه دياب وسحبه من يده لخارج المرحاض وهو يقول:
“اهدى يا رشدي… مش دايمًا العين بتشوف كل جوانب الموضوع وأنا مربي ابني ومتأكد إنه بيقول الحقيقه”
طالعه رشدي رافعًا إحدى حاجبيه في حيرة وأخذ يفكر في جملة ينطق بها، فاستطرد دياب:
“بطل سطحية يا عميد…. يا راجل محصلش حاجه… شغل أبو الفصوص شوية”
قالها دياب وهو يشير لدماغ رشدي فحدجه رشدي بنظرة جانبية وهو يقول:
“يعني ابنك مش هيصلح غلطته ويتجوز البت ونبقى نسايب”
فتح دياب كلتا ذراعيه بقلة حيلة وهو يردد بابتسامة:
“والله ياخويا لو عايزين يتجوزوا هيجوا يقولولنا…”
تنهد «رشدي» بخيبة أمل فربت دياب على كتفه وهو يرفع إحدى حاجبيه:
” إنت مش مربي بنتك ولا ايه يا عميد!!؟”
رفع «رشدي» سبابته وقال بانفعال وهو يضغط على كلماته:
“لا يا عقيد أنا بنتي متربية أحسن تربية…”
حاوط رشدي خصره بإحدى يديه وحك رأسه باليد الأخرى مسترسلًا:
“بس أنا قولت أستغلها فرصه وأهو نتهم الفقر في الحريـ..قة ونجوزهم لبعض ونخلص”
غمز دياب بعينيه وقال بمراوغة:
“هيجوزا يا عميد وبكره أفكرك”
انخرط دياب في الضحك وغير الموضوع قائلًا:
“فاكر يا عميد لما كنا في ثانوي بنمشى رافعين راسنا عقيد وعميد قال كنا فاكرين نفسنا رُتب”
عاد رشدي لتوازنه وحاوط كتف دياب بذراعه وهو يقول:
“ومازلنا رُتب يا جدع متقللش من نفسك… إنت عطار وأنا نجار”
“طيب تعالى بقا يا نجار نلعب دور طاوله على ما باقي العيله يصحوا…”
“بينا يا عطار”
بقلم آيه شاكر
استغفروا ❤️
★★★★
أخذ «رائد» يقطع الغرفة جيئةً وذهابًا في اضطراب ثم جلس على الفراش يُطالع الصغيرين عمرو وعامر في ريب فقد يكون ذلك إحدى مقالبهما التي لا تنتهي، وربما فعلاه انتقامًا مما اقترفه ليلة البارحة حين أخذ ألعابهما بعد اشعالهما للصواريخ..
أمعن النظر لملامحهما فبدا وكأنهما غارقان في النوم! نفث الهواء من فمه في ضجر ودلف للمرحاض بالغرفة…
******
ومن ناحية أخرى جلست نداء على فراشها ثنيت ركبتيها واستندت برأسها عليهما ليستجلب عقلها ما حدث كان قلبها يختلج ووجهها يتلون بحمرة الخجل بينما الدموع تنفر من عينيها هي تتذكر مظهره، وكلام والدها وتفكر فيما سيحدث!!
استلقت على الفراش وأغلقت جفونها وهي تحاول كبح نشيجها وترتشف دموعها حتى وصل صوتها لـ ريم التي فتحت جفونها بخمول وما أنا انتبهت لحالتها اتجهت نحوها في لهفة، جلست جوارها وقالت وهي تمسح على ظهرها بحنو:
“نداء!! مالك يا حبيبتي؟!”
جلست نداء وطالعتها لبرهة وهي تكبح دموعها وما أن التقت أعينهما حتى ارتمت في حضنها وأخذ نحيبها يرتفع حتى سمعتاه وئام وهيام النائمتان بالفراش بالفراش العلوي وقفزتا عن السرير…
هيام بقلق:
“فيه إيه؟! إيه اللي حصل؟!”
وئام بصوت ناعس:
“هي بتعيط كده ليه يا ريم؟”
ربتت ريم على ظهر نداء وهي تقول:
“مش عارفه يا جماعه اصبروا لما تهدى”
ربتت وئام على كتف نداء بشفقه وساد بينهن صمتٌ ثقيل لا يقطعه سوى نشيج نداء المتقطع…
وبعد فترة هدأت الأنفاس وجلست نداء على طرف فراشها تطرق رأسها لأسفل وهن يتأملنها مترقبين أن تخبرهن بما حدث…
ريم بترقب:
“إيه اللي حصل يا نداء؟!”
مسحت نداء وجهها متنهدة وقالت بلجلجة:
“مفيش حاجه… محصلش حاجه”
قطبت هيام جبينها وقالت:
“أومال كنتِ بتعيطي ليه يا بنتي؟!”
ابتسمت نداء بتصنع لتدير وهمت قائلة بتنهيدة:
“أصلي حلمت حلم وحش فعيطت”
نظرن لبعضهمن ثم طالعنها يتفرسن ملامحها، فهبت نداء واقفة واتجهت صوب المرحاض وهي تردد:
“أ… أنا داخله الحمام”
دلفت للمرحاض في سرعة لتهرب من نظراتن تلك!! وهن ينظرن لطيفها متعجبين!
★★★★
مر الوقت واستيقظ الجميع كان الأطفال يركضون خلف بعضهم بأنحاء البيت وشيرين ودينا تقفان في المطبخ تتحدثان أثناء تنظيف أواني الإفطار…
والفتيات يجلسن بالشرفة يلعبن بالأوراق عدا نداء التي تناولت إفطارها وحدها ولزمت غرفتها متظاهرة بالنوم، وهي تنسج أحلامًا وتتخيل رد فعل والدها المترقب تتخيل لو عقد قرانها من رائد في سرعة! وكانت مشاعرها تتأرجع بين رغبة ورهبة…
ومن جهة الأخرى لم يبرح «رائد» غرفته إلا لتناول الإفطار وتفاجئ بسكون والده ووالد نداء ومعاملتهما له وكأن شيء لم يحدث…
استلقى على فراشه متوسدًا ذراعيه كانت ابتسامته تتسع كلما تخيل شكلها أمام عينه أخذ يتذكر أول لقاء بينهما ونظراتهما لبعضهما وارتباكها وحيائها فكم هي جميلة وتعجبه!
وفجأة انتفض واعتدل في جالسًا تلاشت ابتسامته وانتبه لنفسه أخذ يتسائل ماذا أفعل؟ وما مصير توزيع نظراتي هكذا بدون رقابة؟ أين غض البصر الذي لزمته لأعوام!
تذكر صديقه «يحيى » ونُصحه الدائم بألا يفرط في بصره رن في رأسه جملة يحيى المعهودة:
“يميل القلب للغوص في بحر الشهوات وذلك البحر مخيف ومُغرق وبدايته نظرة فاحذر أن تغرق يا صديقي”
أخذ ينهر نفسه لم يتصرف هكذا كمراهق!! هز عنقه يمنة ويسرة مستنكرًا ما يفعله!
هو لن يستطيع الزواج الآن أقل شيء سينتظر ثلاثة أعوام ليُحسن دخله المادي حتى يستطيع الباءة.
نفخ بقـ..وة وخاطب نفسه:
“مش هبصلها تاني وهمنع نفسي من التفكير فيها لحد ما أشوف هعمل إيه”
بل ظن أنها قد تكون مجرد نزوة وسيتحرر من قيودها حينما تختفي نداء من أمامه، أومأ رأسه وأخذ يردد:
“لازم أحافظ على نظراتي وابعد عنها بقدر الإمكان”
وثب وتنهد بعمق ثم فتح باب غرفته وخرج يبحث عن رامي ليحكي عما يعتل بصدره….
********
كان رامي يجلس بمفرده على مقعد بالحديقة يكتب بدفتره فكرة قد جالت بخاطره، وريم تستند بمرفقيها على سور الشرفة وتُطالعه وهو يوليها ظهره والإبتسامة ترتسم على مُحياها شاردة في حال قلبها المتقلب وقف رائد جوار رامي فأخفضت بصرها ثم رفعته وهي تبدل نظرها بين الإثنين متسائلة عن حقيقة مشاعرها المشتته!
___________
“بتعمل إيه يا رامي”
رفع رامي بصره لأخيه وأجاب بابتسامة:
“بكتب جملتين كده… تعالي دا أنا عايز أحكيلك حاجه مهمه يمكن تساعدني في حيرتي”
أغلق «رامي» الدفتر متأهبًا لإخباره عن الإسورة التي رآها بيد نداء، فقال رائد بفضول:
“خير احكي”
سحب رائد مقعد ليجلس جوار أخيه ثم رمق ريم بطرف خفي فمازلت تتابع رامي، قال متخابثًا:
“بص الأول وراك كده يا رامي”
نظر رامي نحو ريم التي هرعت فور التفاته ودلفت للبيت، فابتسم «رامي» ونظر لأخيه قائلًا بلوعة:
“دي بقا أجمل حاجه في حياتي”
“هي عارفه؟!”
أومأ رامي وقال مبتهجًا:
“أنا طلبت أتجوزها وهي وافقت… وكلمت بابا وهو كلم عمي في التلفون… وعمي رحب بالموضوع”
جحظت عيني «رائد» مندهشًا، أشار لنفسه وهو يقول بصدمة:
“وأنا أخر من يعلم يا رامي؟!! إيه كنت ناوي تعزمني على الفرح ولا إيه!!”
زم رامي شفتيه وحاول التبرير قائلًا بارتباك:
“متزعلش والله يا رائد ما إنت عارفني مبعرفش أحكي…”
ران بينهما الصمت هنيهه فدائمًا يفاجئه رامي كما فعل مسبقًا بقرار سفره…
ما يحزنه أنه لا يستطيع قراءة أخيه كما يفعل هو! لا يدري أعجز منه أم غموض زائد من رامي، ربت رامي على فخذه وقال بأسف:
“مبعرفش يا رائد مبعرفش أحكي ولا أشارك مشاعري مع حد”
وثب رائد وطالع أخية لبرهة بنظرات مبهمة وقد ثقل صدرة، قال بخيبة أمل:
“لكن أنا مش حد يا رامي وعلى العموم مبروك”
لم ينتظر رده وهرول من أمامه ورامي ينظر نحوه صائحًا:
“استنى بس يا رائد”
لم يلتفت إليه ووقف لحاله في ركن بالشرفة متضجرًا من أفهال أخيه وقد قرر ألا يحكي لأخيه أي شيء بعد الآن سيكون غامض مثله تمامًا! زفرًا متنهدًا ليقذف مع الهواء ذاك الثقل الذي يُعيق تنفسه.
وظل رامي ينظر لمكان أخيه الفارغ بندم وهو يردد:
“دائمًا بزعله وعنده حق يزعل بس أنا مبعرفش أحكي”
نفث رامي الهواء من فمه وأخذ يكتب:
“حاربتُ مشاعري لأبتعد عنها لكنها تسكن روحي… لم أستطع نسيانها، لازلت أشعر بتخبطها ونظراتها المشتته وحيرتها بيننا ولكني لن أتركها هي لي وحدي وهو لا يراها… لابد وأن تُحبني”
بقلم آيه شاكر
صلوا على خير الأنام ❤️
★★★★
كانت دعاء تجلس في غرفتها تعبث بهاتفها وهي تستمع لإحدى الأغاني حتى وصل لها رسالة عبر تطبيق الماسنجر محتواها:
“أنا علي وكنت عايز منك مساعده يا دعاء”
ردت:
“مساعدة إيه؟!”
كتب على الفور:
“أنا بحب نداء ممكن تساعديني أوصل لقلبها”
سألته:
“أيوه يعني مش فاهمه إنت عايز مني إيه برده؟!”
“إنتِ صاحبتها وعايزك تساعديني نفسي تحبني زي ما بحبها”
“والله نفسي أساعدك بس قلوبنا مش بإيدينا ومش هقدر أخليها تحبك بالعافيه”
“حاولي تقنعيها بيا أنا بجد بحبها ونفسي أتجوزها”
أرسلت دعاء:
“وهي قالتلك إنها مش بتفكر في الموضوع ده دلوقتي”
كتب مستعطفًا:
“حاولي عشان خاطري أنا مش متخيل حياتي من غيرها كلميها بالله عليكِ”
تنهدت دعاء بعمق وهي تلف في المحادثة تقرأها مرة تلو الأخرى فهي تُشفق عليه منذ أن أحرجته نداء برفضها وردها الصارم، وبعد أن فكرت لبرهة أرسلت:
“حاضر هحاول معاها عشان خاطرك”
ابتهج علي وأرسل لها:
“شكرًا يا دعاء عمري ما هنسالك الجميل ده”
ردت باقتضاب:
“ربنا يقدملكم الخير”
طلبت دعاء رقم نداء مرة تلو الأخرى لكنها لم تُجبها..
بقلم آيه شاكر
استغفروا 🌹
★★★★
في عصر اليوم وبعد تناول الغداء كانت نداء على حالتها تجلس بالغرفة خشية النظر في وجه والدها!
أجابت على «دعاء» التي سردت عليها ما قاله «علي» وأخذت تُقنعها به فنهرتها نداء وقالت بعصبية وفي حزم:
“ريحي نفسك يا دعاء علي ده لو أخر راجل في الدنيا مش هتجوزه دا ماشي مع نص بنات البلد”
ردت دعاء بنفاذ صبر:
“إنتِ حره يختي متتعصبيش عليا!”
نفخت نداء وقالت:
“سلام يا دعاء دلوقتي”
أغلقت هاتفها ووضعته أسفل وسادتها…
وعلى نحوٍ أخر زفرت دعاء بحنق منها مرددة:
“حد يرفض علي القمر ده… دا إنتِ وش فقر… والله صعبان عليا”
********
كان الفتيات يخرجن ويدلفن إلى الغرفة ولا تخرج معهن حتى صاح دياب:
“يلا يا ولاد رايحين البحر”
تعالى هتاف الصغار متهللين، حاولت نداء التملص منهم كي لا تذهب فلا تريد رؤية والدها ولا رائد الذي يُربكها وجوده معها في أي مكان… ولكن بعد إصرارهم اضطرت لمرافقتهم…
ارتدت فستان باللون الأسود وحجاب وردي وخرجت من غرفتها سار الرجال أولًا وتبعنهم لم تكن تتحدث والجميع يلاحظ تغيرها لكن لم يسألها أحد…
اقتربوا من البحر وسمعت نداء صوت هدير مياهه حاولت أن تبتسم ولكن ما حدث في صباح اليوم مازال عالقًا في ذهنها وينغصها!
أخذت ترنو من البحر في اشتياق وبداخلها اضطرب يشبه امواجه…
سألتها ريم التي تسير جوارها عما أصابها فأجابت:
“مفيش أصلي منمتش كويس امبارح ومصدعه”
“ألف سلامه عليكِ لما نرجع هديكِ حباية للصداع”
أومأت نداء مبتسمة بتصنع ووقفت أمام البحر تتأمل لون مياهه الزرقاء وتشعر بالرمال تتوغل بين أصابع قدميها والتي تلامسها المياه بين حين وأخر أخذت تملأ صدرها بالهواء النقي وتزفره من فمها وهي مغمغة العينين…
وحين فتحت جفونها أبصرت رائد وهو يسبح مبتعدًا عن الشاطئ فابتسمت…
نظرت خلفها فكانت والدتها وشيرين تجلسان على الأرض وتضحكان بابتهاج فلم تتوقفا عن الحديثمذ وصلا للأسكندرية…
أما والدها ودياب فكانا داخل المياه مع الأطفال يضحكون، فتسائلت هل صدق والدها ما قاله رائد وانتهى الأمر أم ماذا حدث؟!
انتشلها من أفكارها «وئام» التي جذبتها من ذراعها وأخذت تُصر عليها هي وريم ليصعدن لمركب صغير يدور بالمياه فلم ترضى وآثرت أن تبقى مكانها!
أما ريم فوافقت وركبن الثلاثة للمركب وظللن يلوحن لها من داخل المياه وهي تبتسم لهن…
كان رامي يجلس على مقعد أمام الشاطئ وكانت تلاحظ نظراته التي يرمقها بها خلسة تسائلت بين نفسها هل هو معجب بها لذا يسترق النظر إليها أم ماذا به هذا الشاب الغريب!!
من ناحية أخرى أخذ رامي يكتب بدفتره أحيانًا وينظر نحوها أحيانًا وينظر نحو ريم أحيانًا أخرى، حتى تناهى لسمعهم صوت صرخات وئام…
أجفل الجميع حين قفزت هيام في المياه خلف ريم التي سقطت عن سطح المركب للتو، هب رامي واقفًا وبيده دفتره الذي أعطاه لـ نداء وتوغل لداخل المياه في سرعة….
كانت المياة تسحب ريم لأسفل وهي تقاومها وترفع يدها لأعلى ثم تسحبها المياه مجددًا!
وهيام هي الأخرى لا تعرف للسباحة طريقًا فكانت تستغيث…
لم تمر لحظات إلا ورائد يجذب أخته إليه وكاد يذهب لـ ريم لولا أن جذبها رامي إليه وهو يلهث…
أخذت «ريم» تشهق وتحاول التنفس وهي تتشبث به وتخفي وجهها في صدره، وهو يحاوطه بذراعه ويقول باضطراب:
“معلش يا حبيبتي… خدي نفسك واهدي”
“كـ… كنت همـ.. وت”
رد في لهفة:
“بعد الشر عليكِ وأنا وأعمل إيه من بعدك!!”
نظرت إليه لبرهة وطالعها بنظرات تقتر حبًا، فلمست شغاف قلبها، سرعان ما انتبه لنفسه والتفت حوله في خجل فكانت العيون ترشقه بنظراتها، وحين اطمئن أنها هدأت ابتعد عنها وأخذ عوامة من طفل مع أبيه هو يقول:
“امسكي في دي يا ريم على ما نطلع”
أومأت هي في حياء ونفذت ما قاله…
من ناحية أخرى كان رائد يحتضن أخته وهو يقول ساخرًا:
“ولما إنتِ مبتعرفيش تعومي بتنطي وراها ليه؟!”
ضمته هيام بقـ..وة و قالت بضحك:
“كنت فاكره نفسي بعرف أعوم يا رائد واتفاجئت إن أنا بغرق”
ضحك رايد بقـ..وة وقال:
“يلا يختي نخرج”
“لا نخرج إيه! خلينا شويه بقا هدومي اتبلت وخلاص”
ظل رائد يمسك يدها وأخذ يعلمها السباحة….
على الصعيد الأخر تنهدت «نداء» بارتياح حين اطمئنت عليهما، جلست على مقعد رامي وفتحت دفتره فأبصرت جملة:
“يا لها من سدفة رائعة”
جحظت عيناها حين تذكرت تلك الجمله فلم تنسها يومًا، أيُعقل أنه رامي؟! أكملت قراءة الحوار الذي كان يصف ما حدث بالفعل! هو رامي!!!
شهقت ووضعت يدها على فمها وبسرعة البرق دار في رأسها سؤاله عن الإسورة ونظراته لها، انتفض قلبها وتسارعت واخذت تُطالعه وهو يُقبل نحوها بعد أن وضع المنشفة حول كتفي ريم التي جلست على الرمال جوار شيرين ودينا.
كانت نداء تُحملق به وتتفحصه بأعين متسعة تحاول المقارنة بين ملامحه وملامح ذاك الفتي، لم يفهم سر نظراتها إلا حين وقف قابلتها فازدردت ريقها بتوجس، وصدرها يعلو ويعبط وكأنها في سباقٍ ما! سألته بنبرة مرتعشة وهي ترفع معصمها صوب عينه:
“هو إنت صاحب الأنسيال ده؟!”
نظر للأسورة ثم للدفتر بيدها وقال بابتسامة:
“إنتِ قرأتِ اللي مكتوب في الدفتر؟!”
أومأت إيجابًا فاردف يسألها:
“إنتِ نفس البنت صح؟!”
أومأت دون النطق بكلمة فاستطرد بابتسامة:
“بس للأسف مش أنا صاحب الأنسيال… دا أخويا”
اقشعر جسدها وجاهدت لتُخرج تلك الكلمة من حلقها فسألته برجفة:
“أ… ر… رائد!؟”
هز عنقه نافيًا وأطرق رأسه لأسفل وهو يقول:
“لأ… رياض الله يرحمه”
صُعقت ورددت بصدمة:
“مـ… مات؟!”
أومأ دون النطق بكلمة فصمتت وقد تحولت ملامحها وكأنه قد مر بهم فصول السنه الأربعة في لحظات، أغلقت جفونها وقالت بنبرة تخنقها العبرات المكبوحة:
“البقاء لله”
كاد أن يقول شيئًا لكنها لم تعطه مجال، تركت دفتره على المقعد وهرولت من أمامه ووقف هو ينظر لطيفها وهو يزم جفونه بتركيز…
وفي نفس الوقت طلبن الفتيات العودة للبيت، فعادت معهن وهي تكبح جماح مشاعرها وتحاول إخفاء الحزن الذي غلف قلبها ولكنه بدأ جليًا في نظراتها، كانت تنتظر أن تختلي بنفسها لتبكي ولا تدري لمَ أصابها ذلك الشعور!! هي فقط تريد البكاء للتخفيف عن قلبها المثقل….
بقلم آيه شاكر
★★★★
مر يوم باكمله كان رامي يحاول أن يحكي لـ رائد لكنه كان يصده، ولما يأس منه تركه متضجرًا مما يفعل!
غابت نداء عن الأنظار كانت تقرأ ما كتبته عن ذلك الفتى الذي وصفته حينها بالليل وتنظر للأسورة بيدها وتبكي لا تخرج لتتناول الطعام معهم وقد لاحظ الجميع تغيرها المباغت حتى ظن دياب أنه ربما بسبب ذلك الموقف مع ابنه رائد فناداها ليتحدث معها أمام رشدي «والدها»…
جلست «نداء» على المقعد جوارهما في الشرفة وهما يلعبان الطاولة حتى قال دياب:
“نداء يا بنتي إحنا واثقين فيكم وعارفين إن اللي حصل ده كان بالغلط… ولا إيه يا رشدي؟”
برم رشدي شاربه في تباهي وقال:
“ايوه أنا مربيكِ وواثق في أخلاقك… وكمان مقولناش لحد… إطلعي كده اقعدي معانا وروقي محصلش حاجه إحنا نسينا أصلًا”
ابتسمت نداء بتصنع وقالت بصوت متقطع:
“أنا بس عـ… عندي صداع عشان كده بـ… بقعد بعيد عن الدوشه”
دياب وهو يُمعن النظر نحو عينها:
“باين على عينك فعلًا”
باغتها دموع عينيها فقالت:
“وكمان عيني بتدمع لوحدها”
ربت رشدي على ظهرها وهو يقول بجدية:
“أكيد اتحسدتي… تعالي يا بت هرقيكِ”
وضع رشدي يده على رأسها وأخذ يردد أيات من القرآن واستسلمت واضعة رأسها على صدر والدها وأغلقت جفونها…
كان «رائد» يتابعها رُغمًا عنه، كان مشفقًا عليها فقد سمع الحوار الذي دار بينهم مذ قليل هرول لغرفته وخرج في سرعة ثم جلس جوارهم فشعرت بوجوده، أصبحت تشعر بأنفاسه إذا اقترب منها، ولم تفتح عينها إلا بعد أن انتهى والدها من القراءة فمد رائد يده ببعض الحبوب وقال:
“اتفضلي يا نداء دي حبوب للصداع”
مدت يدها وأخذتها منه، قالت دون أن تنظر لوجهه:
“شكرًا”
ثم نهضت في هدوء ودخلت لغرفتها، وظل رائد ينظر لأثرها لفترة…
وحين أبصر نظرات رشدي ودياب اللذان يرشقاته بابتسامة مراوغة، إزدرد لعابه باضطراب وهرول لغرفته دون أن ينبس بكلمة، فنظر رشدى لـ دياب وقال مبتسمًا:
“والله أنا حاسس إن العيال دول بينهم حاجه… ”
ابتسم دياب وقال:
“والله ياخويا لو فيه حاجه هيقولولنا… واحنا مش هنمانع”
استغفرو❤️
★★★★
في صباح اليوم التالي وبعد أن أدت «نداء» فريضة الفجر دلفت للمطبخ كانت تشعر بالجوع، ففتحت الثلاجة وأخرجت الجبن والخبز وحين رفعت يدها نحو فمها أبصرت الأسورة حول معصمها فدمعت عيناها لا تدري ما أصابها؟ هي لم تكن تعرف رياض! ولم تقابله سوى مرة واحده لمَ تبكِ هكذا؟! تود أن تفيقومن ذلك الحزن المباغت ولا تستطع! ارتشفت دموعها فسمعها رائد وهو يمر بجوار المطبخ فدلف إليها وقال بقلق:
“نداء… إنتِ لسه مصدعه ولا إيه؟!”
انتفضت حين سمعت صوته ومسحت دموعها في سرعة فأردف بابتسامة:
“متخافيش أنا رائد”
هي لا تخاف إلا منه ولا ترتبك إلا مع وجوده، قالت دون أن ترفع بصرها:
“أ… أنا… كويسه”
سألها باهتمام:
“طيب مالك كنتِ بتعيطي ليه؟!”
لم تجبه وخلعت الأسورة ومدت يدها لتعطيها له قائلة:
“الأنسيال ده كان وقع من رياض أخوك الله يرحمه… إ… إتفضل”
عقد جبينه متعجبًا وقال مستفهمًا:
“مين رياض؟! أنا عمري ما كان ليا أخ إسمه رياض!”
وضحت:
“رياض اللي كان أعمى اللي نام وصحى لقى نفسه مش بيشوف… أنا اتفاجئت إنه توفى”
قال بنبرة ساخرة وابتسامة تجلت في عينيه:
“رياض مين؟! إنتِ جايبه الكلام ده منين؟!”
رفعت بصرها تُطالعه بتدقيق وهي تقول:
“رامي اللي قالي!!”
أطلق ضحكة كالزفرة وقال بسخرية:
“رامي ده اتجنن رسمي”
استطرد:
“إوعى تكوني بتعيطي عشان كده؟!”
وقبل أن تُجبه أُغلق باب المطبخ عليهما فنظرا لبعضمها هي ذهول ثم اتجه رائد نحو الباب وتبعته نداء التي تعثرت قدمها فصرخت وكادت تسقط لولا أن جذبها لتقع بين يديه…
رأت نداء ذلك المشهد في الأفلام الرومانسية وقرأت عنه في الروايات كانت تتعلق بين يديه ونظراتهما تتشابك وتتناغم دقات قلبها المتسارعة مع بعضها…
كان رائد يغوص في بحر عينيها وكأنه في عالم أخر، وهي تنظر لعمق عينيه الدافئتين، طالع رائد جفونها المتورمة من أثر البكاء ابتسم وقال بصوت رخيم:
“يا لها من سدفة رائعة”
أكمل موضحًا:
“مفيش رياض يا نداء… أنا رائد… رياض ده مـ…ات لما…”
قاطعه صوت فتح الباب وإطلالة والده وجواره رشدي، فاعتدل واقفًا واعتدلت نداء وولتهم ظهرها في حياء واضطراب واضعة يدها على فمها…
وقف رائد يلتفت حوله بنظرات مذبذبة وأخذ يحك عنقه بارتباك، فأشار رشدي نحوهما وسأل بجمود:
“انتوا بتعملوا ايه؟!”
وأردف وهو ينظر لـ دياب:
“شوفت بعينك… حيث كده بقا إبنك لازم يصلح غلطته يا دياب”

يتبع….

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة باقي حلقات الرواية اضغط على : (رواية سدفة)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *