روايات

رواية في حي الزمالك الفصل الخامس و الأربعون 45 بقلم ايمان عادل

رواية في حي الزمالك الفصل الخامس و الأربعون 45 بقلم ايمان عادل

رواية في حي الزمالك البارت الخامس و الأربعون

رواية في حي الزمالك الجزء الخامس و الأربعون

رواية في حي الزمالك الحلقة الخامسة و الأربعون

تَهْدِيد ✨🤎🦋

“أفي تعالي نخرج نقف برا شوية، I need some fresh air ‘أحتاج إلى بعض الهواء النقي’.”

“تعالى أنا كمان اتخنقت.” أردفت أفنان بلطف وهي تُمسك بيد رحيم ثم ذهب ليستأذن من والديه ويتجهوا نحو الخارج، زفر رحيم بضيق فور وقوفهم في الحديقة لتقترب منه أفنان وهي تسأله:

“مالك يا رحيم؟ شكلك مش مبسوط… أفتكرتك هتبقى فرحان باليوم يعني ومنسجم مع الجو.”

“بصراحة يا أفي I am tired of pretending ‘لقد تعبت من التظاهر’ لازم جوا أتعامل بلطف طول الوقت وأتكلم برسمية واختار كلماتي بعناية وحرص.”

تحدث رحيم بصدق وهو بضيق، وضعت أفنان يدها الآخرى على ذراع رحيم بلطف وهي تُردف:

“أنا لاحظت كده برضوا، بس مستواك الإجتماعي والبيزنس بتاع باباك مخليك مجبر عالوضع ده، بس معايا أنا ومع أهلي مش محتاج أنك تبقى شخص غير نفسك ومش محتاج تتكلم برسمية ولا طريقة معينة.”

“أنا عارف، دي أحلى حاجة في علاقتنا… أفي أنا عايز اعتذرلك عن الكلام اللي مامي قالته جوا ومبسوط جدًا منك أنك سيطرتي على نفسك عشان الموضوع ميكبرش وصدقيني سواء كنتِ رديتي أو لا أنا كنت هجيبلك حقك.”

قال رحيم بلطف شديد وهو يبتسم لتبتسم له أفنان في المقابل وقد شعرت بقيمة ما فعلته حينما أشاد رحيم بتصرفها، أخذت نفسٍ عميق قبل أن تُردف:

“ولا يهمك يا رحيم أنت ملكش ذنب أصلًا، عمومًا مهما كان كلامها وحش أو جارح أنا مش هرد عليها وهحترم إنها مامتك بالرغم من كل شيء وبرضوا ست كبيرة أد أمي يعني.”

“حبيبي فخور بيكي بجد، أشطر بنت في الدنيا بتحاول تتحكم في ال Anger issues ‘مشاكل الغضب/مشكلة التحكم في الغضب’.”

 

 

“حبيبي بس… رحيم هو أنتَ شايف اننا هنعرف نكمل حياتنا بالوضع ده؟”

انساب السؤال من فم أفنان دون تفكير ليتنهد رحيم تنهيده طويلة وهو يُغمض عيناه بإستياء لبرهة قبل أن يُجيب على سؤالها بسؤالًا آخر قائلًا:

“فين الوضع ده؟ أو أيه الوضع مش فاهم؟”

“يعني الإختلاف اللي بيننا… أنا مش شبه الناس اللي جوا دول واللي أنت متعود عليهم أو بمعنى تاني أدق اللي أنتَ منهم حتى لو أنتَ حاسس بخنقة من اللي حصل جوا بس ده اللي أنت اتربيت عليه.”

“قولتلك ولا أنا شبهم يا أفنان ده أنا كنت لسه بشتكيلك منهم، وبعدين أنا مش فاهم أنتِ ليه عايزة مع أول موقف تستسلمي؟ ليه لسه عايشة في وهم الطبقية اللي في دماغك ده؟”

“مش وهم يا رحيم، صدقني مش وهم!”

“لا وهم، أنتِ عايزة تقنعي نفسك وخلاص إن علاقتنا مصيرها هو الفشل لإختلاف المستوى المادي مع أني في المقابل بروح حفلات زي دي، بروح مطاعم وفنادق مش أي حد يعرف يدخلها بس في نفس الوقت عادي اتعزم عالعشاء في بيت بسيط في منطقة بسيطة، بيت دافي وأكله معمول بحب، عادي أتعامل مع مديرين شركات عالمية وأجانب وعادي أتعامل مع ناس بسيطة وطلاب وناس لسه بتبدأ حياتها، ده حتى يا أفي عربية الكبده اللي السندوتش فيها بتلاتة جنيه تقريبًا أكلت منها تقوليلي هنعرف نكمل ولا لا؟”

“ما هو أنت لو عارف تتأقلم أنا مش عارفة!”

“أنا مطلبتش منك تتأقلمي على حاجة أصلًا ولا أنتِ حاولتي! أفي هو أنتِ من ساعة ما عرفتيني أو من ساعة ما ارتبطنا شوفتيني كام مرة روحت حفلة زي دي؟”

“تقريبًا مرة واحدة من كام شهر.”

 

 

“طيب أهو يعني مش فاضي أنا أروح مناسبات زي دي كل شوية هيبقى الموضوع على فترات، زي ما أنا هروح معاكي مناسبات عائلية لطيفة كده على فترات.”

“يااه متخيلاك جاي تقضي معانا العيد ونازل تصلي بالجلابية… وأنت طويل كده هتبقى شبه مسرحية العيال كبرت.”

“على فكرة دمك مش خفيف… أيه ده ثواني… أروى بتتصل.”

“في حاجة ولا أيه؟” سألت أفنان بفضول بينما اضطربت معالم وجه رحيم فليس من عادة أروى أن تهاتفه هي تكتفي بمراسلته فقط حينما تُريد إخباره بشيء دون معرفة أنس، نظر رحيم نحو أفنان لبرهة وهو يُردف:

“مش عارف… هرد أشوف في أيه.”

أجاب رحيم على الهاتف ولم تستطع أفنان سماع ما يُقال من الجانب الآخر كل ما سمعته هو صوت بكاء أروى ونحيبها وتوتر معالم رحيم الذي قال ببعض الإنفعال كي يُجبر الأخيرة على الهدوء وإيقاف نوبة الهلع تلك:

“خلاص يا أروى بطلي عياط! أهدي شوية أنا جايلك حالًا نزلي دماغه براحه لتحت كده عقبال ما أجيلك.”

أغلق رحيم المكالمة وهو يجذب ذراع أفنان بلطف بينما يقوم بفتح باب السيارة من أجلها ومن ثم يذهب للجلوس في مقعده وينطلق بأقصى سرعة نحو منزل أنس والذي لم يبعد كثيرًا عن موقعهم، لم يتفوه رحيم بحرفٍ واحد طوال الطريق ولم تسأله أفنان عن أي شيء فلقد استنتجت ما حدث ولم تُرد أن تُثرثر وتُزيد من توتره وضغطه النفسي.

“أفنان معلش انزلي معايا عشان لو احتجتك تسندي أروى ولا حاجة.”

“حاضر، بس هو أنتَ هتعرف تشيل أنس لوحدك؟”

 

 

“اه متقلقيش.”

غادر كلاهما السيارة مهرولين نحو الداخل وكما توقع رحيم، أروى تجلس على الأرضية تبكي بإنهيار وهي ممسكة برأس أنس بين أحضانها وهو تحاول أن تقوم يإيقاف نذيف أنفه.

“هو هيبقى كويس متقلقيش.”

“بس هو أول مرة يحصل معاه كده… وكمان He is bleeding ‘إنه ينزف’ بسببي أنا ضربته بالقلم…”

تمتمت أروى من بين دموعها لكن رحيم لم يُعلق على جملتها وقام بفحص أنس سريعًا قبل أن يحاول حمله، أما عن أفنان فنظرت نحو أروى بحزن ولكنها حاولت أن تُخفف عنها قليلًا قائلة:

“لا مش أول مرة تحصله… بس متقلقيش هو هيبقى كويس إن شاء الله… قومي معايا.”

حاولت أفنان مساعدة أروى على النهوض كونها مازالت لا تتحرك بكامل قوتها فهي لم تتعافى تمامًا من آثار الحادث، تركهم رحيم لبرهة وهرول نحو أحد الحراس في الخارج طالبًا منه مساعدته في حمل أنس ووضعه في السيارة.

بعد نصف ساعة تقريبًا كان أربعتهم داخل المستشفى، أنس تم حجزه في حجرة وقد تم تعليق أحد المحاليل من أجله بينما جلس ثلاثتهم في منطقة الإنتظار.

“أنتَ ازاي يا رحيم متقوليش إن أنس حصل معاه كده قبل كده؟!” سألت أروى بإستياء شديد ليتنهد رحيم قبل أن يُجيبها قائلًا:

“مكنش في داعي يا أروى صدقيني، أنتِ وقتها أصلًا مكنتيش في حالة تسمح أني أحكيلك حاجة زي كده.”

“يعني هو دلوقتي مريض ضغط ومش بياخد أدويته صح؟ يعني الدم مش من القلم؟”

 

 

“لا، ده عرض من أعراض الضغط العالي جدًا، بصي هو المفروض كان يستمر على الأدوية فترة وأنتِ عارفة أخوكي أكيد معملش كده وأدي نتيجة العند بتاعه، بس متقلقيش أنس هيبقى كويس إن شاء الله.”

“أيوا متقلقيش يا حبيبتي أنس ده عامل زي القطط بسبع أرواح!” علقت أفنان بسخرية وهي تحاول طمئنة أروى لكن جملتها لم تكن مفهومة بالنسبة لأروى ورحيم ليُطالعها كلاهما بعدم فهم، قلبت أفنان عيناها بتملل وهي تهمس:

“مفيش فايدة في العيال التوتو دي بجد.”

“أفنان ميرال بتتصل على تليفوني.” تمتم رحيم بهدوء لتأخذ أفنان الهاتف من يده وتُجيب على شقيقتها وكانت المحادثة كالتالي:

‘أيه يا بنتي بقالي ساعة بتصل عليكي ومش بتردي عليا… أنتوا فين؟’

‘أتنشن بيه تعب وروحنا بيه المستشفى.’

‘أيه؟ مش فاهمة… ثواني قصدك أنس؟ هو كان معاكوا في الفرح أصلًا؟ أيه اللي حصل؟’

‘ثواني ثواني أبلعي ريقك كده، لا مكنش معانا هو تعب في البيت مع أروى وأحنا خدناه عالمستشفى.’

‘طب ممكن تبعتيلي العنوان؟’

‘حاضر ياختي.’

 

 

أنهت أفنان المكالمة بعد إرسال الموقع لميرال وذهبت لتقوم بإعلامهم أن ميرال قادمة، أخبرتها أروى بأنه لا يوجد داعي لذلك لكن أفنان أخبرتها أن ميرال في طريقها إليهم بالفعل.

“أيه يا جماعة أيه اللي حصل؟ أنس فين؟”

“بس بس أهدي شوية في أيه؟”

“حصله زي المرة اللي فاتت ولا أيه؟”

“لا Wait ‘انتظروا’ كده هو كلكوا عارفيين حوار أنه تعب قبل كده وأنا لا؟”

“هو حرفيًا تعب في بيتنا، كان معزوم عندنا هو ورحيم وعمو أبو رحيم… وأخوكي ياختي كان رايح الحمام وفطس في الطريق.”

تمتمت أفنان وهي تسرد ما حدث بالإضافة إلى عباراتها الساخرة المعتادة، عقدت أروى حاجبيها بحيرة قبل أن تسأل ميرال بعدم فهم:

“هي بتقول أيه؟”

“سيبك منها، وأنتِ يا أفنان كفاية رغي مش شايفانا قاعدين على أعصابنا.”

“وأنتِ قاعدة على أعصابك ليه أنتِ مالك أصلًا؟”

 

 

سألت أفنان بخبث لتضطرب معالم ميرال وتكاد تُجيب ولكن لا تجد الكلمات المناسبة وقبل أن تنبس بحرفٍ واحد وجدت الممرضة تقترب منهم لتخبرهم بأن أنس قد استيقظ ويمكنهم رؤيته.

بمجرد أن أخبرتهم الممرضة تبادل رحيم، ميرال وأروى النظرات فكلاهما يسأل الآخر بعيناه من سيذهب لرؤية أنس أولًا، لكن رحيم كان قد اتخذ القرار بالفعل… هو سيدلف إلى حجرة أنس أولًا.

“أنا هدخل ٱشوف أنس ومش هتأخر.” أومئ الجميع بينما جلست أروى على الكرسي تبكي بقلة حيلة، فشعور الذنب لا يُفارقها.

دلف رحيم إلى غرفة أنس بعد أن قام بالطرق على الباب بأدب أولًا، بمجرد أن خطى أول خطوة نحو الداخل وجد أنس الممدد على الفراش وقد اتصلت ‘الكانيولا’ بأوردة يده، عيناه شاردتان بينما يتأمل سقف الغرفة ولكن حينما اقترب رحيم أكثر أدرك أنه ليس فقط شاردًا بل يبكي كذلك.

“أنس… أنتَ كويس؟” لم يتلقى رحيم ردًا على ما قاله لذا اقترب من أنس على الفور وهو يضمه إلى صدره في عناقٍ قوي.

“أنا أسف حقك عليا أنا… أنا غلطان أنا أنشغلت عنك الفترة اللي فاتت أنا أسف…”

“أنا… تعبان… تعبان أوي يا رحيم…” تمتم أنس بصعوبة محاولًا جمع كلماته بينما أخذت دموعه تنهمر أكثر فأكثر.

“طيب بص أنا هعملك أي حاجة أنتَ عايزها بس اهدأ please ‘من فضلك’.”

أردف رحيم بنبرته الحنونة المعتادة وهو يضم صديقه الوحيد وأخيه الصغير، كانت تصدر الشهقات من أنس بين الحين والآخر حتى سكن قليلًا ليفصل رحيم العناق ثم يسأله:

“احكيلي بقى أيه اللي حصل؟ اتخانقت مع أروى؟”

 

 

 

“يعني هي محكتش ليك أنت والقطة بتاعتك؟”

“يادي النيلة عالقطط والكلاب وحديقة الحيوان اللي أنتَ عايش فيها دي! لا محكتش هي بتعيط من ساعة ما جينا كل اللي اعرفه يعني أنه She slapped you ‘لقد صفعتك’ وبعدين your nose started bleeding ‘بدأ أنفك ينزف’.”

“أروى كانت عند مرات فريد، أنا لما روحت البيت هي مكنتش هناك وكنت قاعد هموت من القلق عليها… رجعت الهانم بعد شوية وهي حاطه على رقبتها ال Scarf ‘الوشاح’ بتاع ما… بتاع مرات فريد، وريحة البيرفيوم بتاعها في هدوم أروى.”

“طبعًا أنتَ اتخانقت معاها عشان كانت بتزور مامتها وطبعًا كنت منفعل جدًا وغلطت فيها أو في مامتك فأروى أتعصبت وضربتك مش كده؟”

“طب ما هي حكتلك أهو أومال بتخليني أحرق بنزين وأحكيلك من الأول ليه يا سمج؟”

“يا بني محكتش حاجة! أنا اللي حطيت Scenario ‘نص سينيمائي’ للي حصل، أنا أعرفك بقالي أكتر من 20 سنة يا أنس فطبيعي أكون متوقع رد فعلك في موقف زي ده.”

تمتم رحيم بثقة شديدة وهو يُعيد خصلات شعره نحو الخلف قبل أن يذهب لجذب الكرسي ويجلس بجانب أنس، لم يُعلق أنس على ما قاله رحيم وعاد للشرود لكن قرر رحيم أن يُخبره بشيء يُعيد إليه حماسه وجزء من سعادته.

“على فكرة في حد برا مستني يطمن عليك وهيموت من القلق.”

“حد؟ أوعى تقول! مونيكا؟!” استفسر أنس بحماس وهو يغمز بإحدى عينيه ليرمقه رحيم بإشمئزاز وهو يضرب كتفه بخفة قبل أن يقول بإستنكار شديد:

“مونيكا مين يا حيوان؟! لا حد أنضف وأجمل من كده بكتير، حد أنتَ مهتم بيه بجد مش بتلعب.”

“الدادة بتاعتك ولا مين؟”

 

 

 

“يا أنس هو أنت مهتم ومعجب بالدادة بتاعتي؟ أنت مجنون يا ابني ما تركز!”

وبخه رحيم مجددًا ليعقد أنس حاجبيه وهو يحاول أن يُفكر في هوية الشخص قبل أن يتمتم بحماس:

“استنى… أكيد لا! أكيد مش…”

“ميرال.”

“ميرال برا؟ عايزة تشوفني؟ قلقانة يعني؟” سأل أنس بلهفة وهو يعتدل في جلسته وينزع المحاليل من يده متسببًا في حدوث نزيف بسيط في يده، أمسك رحيم بيده محاولًا منعه لكن لم يستطع.

“أيه يا أنس اللي بتعمله ده؟! أنتَ مجنون!”

“هي مش هينفع تدخل عندي هنا الأوضة ومش هترضى تدخل هنا أصلًا، فأنا بقى هخرج اطمنها بنفسي.”

أردف أنس وهو يستقيم من جلسته ويقوم بهندمة ثيابه وتعديل خصلات شعره قبل أن يتكأ على رحيم ويذهب نحو الخارج لشعوره بعدم إتزان أثناء سيره.

“أنس!!!” نبست ميرال بقلق فور رؤيتها لأنس لتستقيم من مقعدها على الفور وتذهب في اتجاهه.

“أنتَ كويس؟ أيه اللي قومك وأيه الدم ده؟” سألته ميرال بتشوش ليرمقه أنس بنظرات مُريبة لثوانٍ قبل أن يُردف بنبرة درامية مُبتذلة:

“الشوق، الشوق هو اللي قومني.” ضحكت ميرال بخجل وهي تُخفي ثغرها بيدها بينما رمق رحيم أنس بإزدراء وهو يسأله الآتي بإستنكار:

“وبتقول عني أنا مسهوك؟ أيه يا ابني القرف ده؟”

“خليك في حالك أنتَ يا رحيم، يا وعدي عالضحكة يا وعدي.”

 

 

 

علق أنس على حديث رحيم بينما لم يُبعد عيناه عن ميرال التي أشاحت بنظرها بعيًدا عنه، في تلك الأثناء كانت أفنان عائدة من دورة المياه برفقة أروى وبمجرد أن رأت أنس الواقف إلى جانب رحيم أمام ميرال وهي تقول الآتي بصوت مرتفع نسبيًا:

“أيه ده؟ أنتَ فوقت يا عم الملزق؟ حمدلله عالسلامة بوظت علينا السهرة كالمعتاد منك لله.”

“مين اللي جاب البت دي هنا؟ وبعدين أيه الشياكة دي؟ تصدقي مكنتش هعرفك لولا إنك فتحتي بوقك لو كنتِ اتخرستي كده مكنتش هعرفك.”

“بس متهبلش في الكلام عشان دي مراتي وممكن اضربك عشانها عادي.”

“يااه يا رحيم! أنا عمري ما تخيلت إن الجواز يغيرك كده وكل ده وأنتوا كاتبين الكتاب بس أومال بعد الفرح هتعمل فينا أيه؟ يلا بكرة نقعد جنب الحيطة ونسمع الزيطة!”

“لا يمكن تكون بني آدم طبيعي والله! عامل زي خالتي اللتاتة!”

“أنس… I truly apologize for what i did ‘أنا حقًا أعتذر على ما فعلته’.” همست أروى وهي تقترب من أنس بخطوات بطيئة لتقوم بتحويل مسار الحديث من السخرية والمزاح إلى الجدية.

ساد الصمت لبرهة قبل أن يجذب أنس شقيقته في عناق لطيف بينما يُداعب خصلات شعرها الناعمة قبل أن يقول:

“أنا كمان أسف، أنا أتكلمت معاكي بقلة آدب متزعليش مني… أنا بس خايف عليكي.”

“أنا عارفة أنتَ ليك كل الحق، أنا بس كنت عايزه أشوفها… أنتَ مش متخيل هي فرحت ازاي وهتفرح ازاي لو قبلت أنك تشوفها… صدقني يا أنس…”

كادت أروى أن تُتابع حديثها الغامض بالنسبة لميرال وأفنان وكادت أن تُكمل محاولاتها في إقناعه لولا تدخل رحيم ليوقفها بلطف وأدب قائلًا:

 

 

 

“أروى… أروى please ‘من فضلك’ الكلام ده مش وقته خالص ولا مكانه، هنشوف الموضوع ده بعدين تمام؟”

أومئت أروى في هدوء وساد الصمت لبعض الوقت وفي تلك الأثناء كان الفضول ينهش ميرال نهشًا لتعرف من يقصدون بحديثهم المُبهم؟ لقد نسيت تمامًا أمر والدته ولم يخطر على بالها قط أن الحديث يخصها بل ظنت أنهم يتحدثون عن فتاة كانت حبيبة أنس في السابق ربما…

“طيب أفي أنتِ أكيد محتاجة تروحي أنتِ وميرال، هوصلهم يا أنس بسرعة وأرجعلك تاني.”

“لا أنا مش هبات هنا… هشتري محاليل أو أي أدوية الدكتور كتبها وهروح… وصلنا كلنا مع بعض بقى بعد إذنك.”

أعلن أنس بنبرة مستاءة فهو يكره المكوث في المستشفى أكثر من أي شخص آخر، فرائحة الطرقات، رؤية الفراش الأبيض، اطمئنان الطبيب والممرضة كل بضع ساعات أمور تُصيبه بالإشمئزاز والضيق وتذكره بذلك الحادث البغيض والذي اضطر بسببه أن يمكث في المستشفى لمدة طويلة نسبيًا.

“تمام اللي يريحك، خليك هنا هروح أشوف الدكتور وأقفل الحساب وأجيلكوا تاني.”

“تمام.” تمتم أنس بهدوء قبل أن يوجه نظره نحو ميرال الجالسة إلى جواره مع ترك مسافة كبيرة بينهم، تأمل وجهها لثوانٍ قبل أن ينبس بنبرة جادة هادئة غير مُعتادة مُردفًا:

“أنا أسف عشان اتخضيتي…” قال جملته لترمقه أفنان بنظرات نارية مُرعبة ليحمحم أنس برعب ثم يقول بتعديل جملته على الفور قائلًا:

“أحم… قصدي أسف عشان اتخضيتوا كلكوا يعني، هي أختك هتتحول علينا ولا أيه؟”

“غالبًا اه.” أردفت ميرال وهي تضحك لترمق أفنان أنس بإزدراء قبل أن توجه حديثها لأروى قائلة:

 

 

 

“ما تيجي تقعدي جنب أخوكي يا أروى… لا الناحية دي مش الناحية التانية.” طلبت أفنان من أروى الجلوس إلى جانب أنس من جهة ميرال بحيث تمنع رؤيتهم لبعضهم البعض.

“يااه على قطع الأرزاق! أعوذ بالله بجد!”

“يا مصبر الوحش عالجحش…” همست أفنان بصوتٍ منخفض ومن بعد جملتها تلك ساد الصمت في ما عدا همس بسيط بين أروى وأنس، بعد مدة قصيرة عاد رحيم وهو يُشير إليهم بأن يحضروا إليه في نهاية الممر كي يذهبوا يغادروا جميعًا المكان.

“دفعت كام؟”

“بس يا أنس بطل هبل، من أمتى في بينا كده؟”

“لا يا عم لا تخصمهم من المرتب ولا حاجة.”

“وهو أنتَ محتاج المرتب أصلًا؟” سأله رحيم بسخرية ليضحك أنس ثم يُردف:

“لا، بس الحق حق برضوا، صحيح بقولك أيه هي العربية هتكفينا؟”

“اه ما أنا اللي هسوق وأنتَ جنبي قدام والبنات كلهم ورا مع بعض.” أومئ أنس وتوجه الجميع نحو السيارة، ساد الصمت طوال الطريق فيما عدا بعض الجمل الهزلية من أنس وربما سب قائد السيارة المجاورة لهم مرة أو اثنتين.

كان أنس يختلس النظرات نحو ميرال التي أخرجت ذراعها خارج الشرفة بطفولية مستقبلة نسمات الهواء الباردة ليبتسم أنس من فعلتها تلك.

“حمدلله عالسلامة وصلنا، الأجرة ورا يا أساتذة.” تمتم أنس ساخرًا فور توقف السيارة أمام منزل أفنان لترمقهم بإزدراء قبل أن تُردف بسخافة:

 

 

 

“أنس دمك تقيل على فكرة متهزرش تاني، رحيم أبقى طمني عليك لما توصل ماشي؟”

“حاضر متقلقيش.”

“حمدلله على سلامتك يا أنس، شكرًا على التوصيله يا رحيم.”

همست ميرال بصوتٍ خجول بالكاد مسموع قبل أن تغادر السيارة، غادر رحيم السيارة كذلك وانتظر في الخارج حتى صعود أفنان إلى المنزل وتلويحها له من الشرفة، لوح لها في المقابل ثم دلف إلى داخل السيارة مجددًا.

“لا حركة لطيفة أبقى فكرني أعملها لما ارتبط إن شاء الله.” علق أنس بسخرية وهي ينظر نحو أروى التي غالبها النعاس وغفت في المقعد الخلفي.

“مش هتلحق تنسى، أنتَ أصلًا شكلك واقع فمش هتاخد وقت طويل.”

“أنا واقع طبعًا بس دكتور مسك قالتلي إني لازم استنى شوية وهي كمان محتاجة تتعافى من اللي حصل معاها.”

“شكل الدكتورة دي بتفهم، ياريت تحاول تتكلم معاها عن مشكلتك مع مامتك وباباك.”

“بحاول بس… الكلام في الموضوع ده بيوجعني أوي وبيخليني مخنوق وكأن مفيش أكسجين في المكان كله… بس هحاول المرة دي اتكلم عن الموضوع ده أكتر شوية كمان.”

“على فكرة يا أنس بعيدًا عن أي هزار أو رخامة بس أنا حقيقي فخور بيك وفخور بإنك بتحارب عشان تكون انسان أحسن، وعشان بتحاول تصلح علاقتك بربنا وبأختك وبتحاول تركز في شغلك.”

“لولا وقفتك جنبي يا صاحبي عمري ما كنت هعرف أعمل حاجة من دي لوحدي.” أردف أنس بنبرة جادة وهو يضع يده على كتف رحيم لترتسم ابتسامة لطيفة على ثغر الأخير قبل أن يعاود القيادة.

 

 

بعد مرور يومان وفي تمام الساعة الرابعة والنصف غادرت ميرال مقر عملها، كانت تسير بكسل لشعورها بالإرهاق من العمل ولأنها لم تحظى بنومٍ جيد ليلة أمس، كانت تسير بخطواتها الهادئة والتي تسبب في إيقافها صوت أحدهم مناديًا اسمها…

“ميرال…”

“أنتَ تاني؟ أيه يا نوح هتفضل تنطلي في كل حتة ولا أيه؟ أنا مش عايزة فضايح في مكان شغلي.”

“خلاص وجودي معاكي بقى فضايح؟ أنا جاي بس أتكلم معاكي فين الفضايح دي؟” سأل نوح بإستنكار وحزن في الوقت ذاته، ساد الصمت لثانية قبل أن تُجيبه ميرال بنبرة شبه درامية قائلة:

“وأنتَ تيجي تتكلم معايا بصفتك مين أصلًا يا نوح؟ بقولك أيه أنا لسه مخلصه شغل وتعبانة ومش شايفه قدامي لو سمحت أمشي من هنا.”

“يا ميرال أنا لسه بحبك صدقيني… اللي حصل ده كان غلطة وأنا بجد ندمان ومفتقد وجودك جنبي جدًا… أنا مستعد أصلح غلطي وأعتذرلك قدام الناس كلها بس ترجعيلي…”

“أنا قولتهالك قبل كده يا نوح… أنت اللي زيك ميعرفش يعني أيه حب أصلًا ولو مبطلتش تبعتلي في مسدجات وتظهر قدامي كده صدقني رد فعلي مش هيعجبك.”

“يا ميرال طيب أديني فرصة واحدة أخيرة وأوعدك مش هزعلك أبدًا.”

 

 

“طيب يا نوح أنا هقولهالك بطريقة تفهمها… لو أنتَ آخر راجل على الأرض يا نوح مش هتجوزك ولا هرجعلك أنتَ سامع؟”

بصقت ميرال كلماتها بكل برود وقسوة ليشعر نوح بصدمة وكأن أحدهم قام بسكب ماء مثلج على رأسه، لا يُصدق التحول الكبير الذي طرأ على شخصية ميرال في خلال بضعة أسابيع… هي لم تكن كذلك ولم تكن تتحدث بهذه النبرة…

“ماشي يا ميرال اللي يريحك… أهم حاجة تبقي مرتاحة مش مهم أي حاجة تانية، عن إذنك…”

لم تُعلق ميرال على ما قاله فقط أكتفت بالإلتفات للجهة الآخرى والذهاب بعيدًا عنه، كانت تحاول جاهدة ألا تنهار، ألا تبكي أثناء سيرها في الشارع، ألا تُظهر ضعفها… كانت تسير بملامح باردة بينما في داخلها يشتعل، تشعر بأنها بحاجة إلى التحدث لأحدهم وذلك الشخص ربما يكون أنس ولكنها لن تفعل لأنها بالفعل قد اتخذت قرارًا في السابق بألا تتحدث إليه إلا في أضيق الحدود وحينما تكون مضطرة… في النهاية لم تجد شخصًا أنسب من شقيقتها ونصفها الآخر أفنان.

“ألو… أيوا يا أفنان أنا خلصت شغل أنتِ لسه في الكلية ولا روحتي؟ طب كويس أوي شوفيلنا بقى كافية نتقابل فيه ولا أي حتة ناكل فيها.”

أنهت ميرال المكالمة بعد الإتفاق مع أفنان على المطعم المناسب لكي يتناولوا وجبة الغداء سويًا، بعد ساعة تقريبًا كانت ميرال تجلس داخل المطعم في انتظار أفنان.

“معلش يا بنتي اتأخرت عليكي لما كلمتيني كنت خلصت بس المعيد فضل مقعدنا شوية لحد أما ناخد الغياب.”

“نوح؟”

“لا، مجبتش سيرة نوح أصلًا! ده معيد تاني، وحتى لو نوح مالك اتخضيتي كده ليه؟”

“أصل… بصراحة في حاجة كده حصلت مقولتلكيش عليها…” همست ميرال بإضطراب وهي تشبك أصابع يدها سويًا لترمقها أفنان بشك وقلق وهي تسألها بتوجس:

“حاجة ليها علاقة بنوح؟ ضايقك ولا أيه؟”

 

 

“حاول يكلمني أكتر من مرة… مرة قابلته تحت البيت عندنا والنهاردة جالي عند الشغل ده غير المسدجات اللي كان بيبعتها الفترة اللي فاتت وكنت بمسحها عشان متأثرش أو أحن…”

“الكلام ده حصل أمتى؟ ده أنا الواد ده هخلي اللي ما يشتري يتفرج عليه من اللي هعمله فيه!”

“أهدي يا أفنان لو سمحتِ، الموضوع مش مستاهل كل العصبية دي… أهو عشان كده مكنتش راضية أقولك…”

“مش مستاهل أيه يا ميرال بس ارحميني! البني آدم ده مش بس جرح مشاعرك ده كان هيدمر علاقتي أنا وأنتِ ببعض! كان بيكدب وبيألف مواقف وبيعمل مشاكل بيني أنا وماما وبيني أنا ورحيم! والبيه كان طول الوقت بيقل منك ومحسسك أنه بيعطف عليكي وإنه كويس إنه قبل بيكِ وأنتِ في الآخر تقوليلي مش مستاهل!”

انفعلت أفنان بدون قصد لكن فكرة أن يجرح نوح مشاعر ميرال ويحاول أن يُفسد حياتها مجددًا أمر جعل الغضب يشتعل داخل قلب أفنان، قوست ميرال شفتيها قبل أن تقول بحزن شديد:

“أنا بس مش عايزة مشاكل يا أفنان… يعني ليه الأمور مش بتتاخد ببساطة؟ ليه كل حاجة معقدة ومحتاجة تفكير وجدال ليه الإنسان مش بيقتنع باللي حصل ويسلم أمره لربنا كده ويحاول يكمل حياته بهدوء؟”

“عشان أحنا في العالم الواقعي مش في المدينة الفاضلة، الناس بترفض تتقبل الوضع اللي اتفرض عليها حتى لو هما كانوا السبب فيه من البداية… نوح مش قادر يتقبل فكرة أنه اترفض مني واتساب منك بعدها.”

عقبت أفنان على ما قالته بميرال قبل أن تفصل حديثها بإرتشاف كوب المياه الذي أمامها وأخذ نفس عميق ثم تابعت حديثها قائلة:

 

“نوح فاكر إن كل الناس تحت أمره وكل الناس رهن إشارة منه، هو أتربى على كده زي ما كتير من أمهات بتربي ابنها على إنه ميعبوش حاجة والبنات هتترمى تحت رجليه وهو ميساوش تلاتة قرش أصلًا وحتى لو يسوى فمفيش أي بني آدم الناس كلها هتحبه أو تتقبله بس نوح بقى مش عايز يقتنع بالفكرة دي.”

“عندك حق… أنا مشكلتي دلوقتي مش في كل ده، مشكلتي إني كل لما بحس أني اتحسنت وبدأت أنشغل في حاجة تانية غيره بيظهر قدامي فجاءة ويهد كل حاجة أنا بنيتها… عارفة يا أفنان أنا مكنتش مدركة كم الآذى اللي بيسببهولي نوح غير لما بعدت عنه وبقيت شايفة الصورة من برا زيك ولاقيت إن كان عندك حق طول الفترة اللي فاتت أنا بس اللي كنت مُغيبة وساذجة.”

“مفيش داعي للكلام ده دلوقتي وبدل ما تلومي نفسك عاللي فات خليكي فخورة بنفسك إنك قدرتي تقاومي مشاعرك وعرفتي تاخدي القرار الصح وفي الوقت المناسب.”

قالت أفنان بنبرة لطيفة وهي تحاول تشجيع ميرال ورفع روحها المعنوية لتبتسم ميرال ابتسامة منكسرة صغيرة قبل أن تنبس بالآتي:

“الحمدلله على كل حال، أنا بس عايزاكي تكلمي نوح وتقوليله يبطل يكلمني بس من غير مشاكل يا أفنان من فضلك.”

“هو أنا بتاعت مشاكل برضوا؟! عيب عليكي، ها هتعزميني على أكل أيه بقى؟”

سألت أفنان شقيقتها ممازحة إياها لكي تقوم بتلطيف الأجواء قليلًا بينما داخلها كان مشتعلًا من الغيظ بسبب نوح وكذلك كان عقلها منشغلًا فيما عليها فعله لردع نوح عن حماقاته التي يرتكبها تلك.

وبالرغم من أن أفنان لا تطيق وجود أنس بجوارها أو بجوار رحيم لكنها تمنت لو أنه تقدم لخطبة ميرال لكي يستطيع أن يُبرح نوح ضربًا ويمنعه منعًا باتًا من الإقتراب من شقيقتها لكن في النهاية طردت أفنان تلك الفكرة من رأسها فهي ليست بحاجة إلى مساعدة من أحد كي تُنهي ذلك الموضوع فهي وحدها كافية.

 

 

بعد مرور يومان من تلك المحادثة بين ميرال وأفنان قابلت أفنان رحيم بعد انتهاء دوامها من الجامعة وقد اتفق معها أن يمر عليها لتناول الغداء سويًا ثم يقوم بإيصالها إلى المنزل قبل أن يعود إلى عمله مجددًا، وبمجرد أن قابلته أفنان وتبادل كلاهما التحية وأثناء جلوسها إلى جانبه في السيارة قررت أن تُفاتحه في الأمر الذي شغل بالها منذ يومان.

“رحيم لو سمحت أنا عايزة أروح أقابل نوح.”

“ليه؟ حصل حاجة؟”

“بيضايق ميرال، كل شوية يحاول يكلمها وهي مكنتش بتقولي وبيحاول يرجعلها وقارفها في عيشتها وهي قالتله أكتر من مرة يبعد بس هو برضوا مصمم يحاول!”

“طيب ما تقولي لمامتك أو باباكي وهما يتدخلوا، أو أحذره أنا تتكلمي أنتِ ليه؟”

“محدش بيعرف يتفاهم مع نوح غيري، أنا بعرف أمشي كلمتي عليه وحتى لو الكبار اتدخلوا مش هيسمع كلامهم وأنتَ لو اتدخلت المشكلة هتكبر أكتر.”

“مش مقتنع بس ماشي براحتك، بس هاجي معاكي.”

“خلاص ماشي اتفقنا.”

أردفت أفنان بسعادة وساد الصمت لثوانٍ قبل أن يدنو منها رحيم نظرًا لفارق الطول بينهم ومن ثم يُقبل جبينها بلطف لتضحك أفنان وقد شعرت بوجهها يشتعل من الحُمرة قبل أن تسأله بخجل:

“أيه ده في أيه؟”

 

 

“مفيش، مبسوط عشان قولتيلي قبل ما تروحي تكلميه أو تقابليه.”

“طبيعي أقولك قبلها مش أنت زوجي قرة عيني؟ وبعدين من آخر مشكلة بينا وأنتَ بقيت بتحكيلي معظم الحاجات اللي بتحصل معاك وبطلت تخبي، فأنا كمان قولت اشتغل على عيوبي عشان تبقى علاقتنا سوية أكتر ولا أيه؟”

“أنا مش مصدق نفسي أني بسمع الكلام الحلو ده، أفي أنتِ عظيمة بجد ومكافأة ليكي عشان الكلام الحلو ده هجبلك كل اللي نفسك فيه النهاردة أي حاجة تخطر على بالك هجبهالك.”

أعلن رحيم بسعادة شديدة وهو يقوم بالإستعداد للإنطلاق بالسيارة بينما ظلت أفنان تراقب تحركاته وتعابير وجهه اللطيفة أثناء قيادته.

في مساء اليوم التالي كانت تنتظر أفنان داخل سيارة رحيم أمام منزل خالتها عودة نوح من العمل، كانت أفنان على علم بمواعيد عودته منذ خطبته هو وميرال وبالفعل لم يتأخر عن الموعد المتوقع.

بمجرد أن رأت أفنان سيارته تتقدم نحو منزل خالتها غادرت السيارة، قام نوح بصف سيارته ومن ثم غادرها بهدوء دون أن ينتبه لوجود أفنان ولكنها تحىكت سريعًا بحيث تقف في مواجهته وأمام المدخل مانعه إياه من دخول المنزل وهي تُردف بنبرة حادة وجادة:

“أنت ياض أقسم بالله لو مبعدتش عن أختي هسود عليك عيشتك يا نوح الكلب أنتَ!”

“أفنان! في أيه؟ أنتِ اتجننتي ولا أيه؟! ازاي تتكلمي معايا كده؟ وأيه اللي جابك هنا أصلًا؟”

 

 

 

سأل نوح بدهشة وفزع فهو لم ينتبه لوجودها وقد صُدم كذلك من حدة حديثها وإن كان قد اعتاد عليها في السابق لكن هذه المرة كانت نبرتها تحوي في طياتها غضب حقيقي؛ غضب لم يراه نوح في عيناها من قبل وذلك منطقي تمامًا فالأمر هنا لا يخصها بل يخص شقيقتها الوحيدة، والتي بالرغم من أنها تكبر أفنان إلى أن أفنان دائمًا تشعر بالمسئولية تجاهها وتشعر بأن عليها حمايتها طوال الوقت.

“أنا مش جايه أرغي أنا قولت اللي عندي، وياريت بقى تروح تتعالج عشان أنتِ بني آدم مريض ومفيش واحدة هتبقل بيك عالوضع ده!”

صاحت أفنان في وجهة بنبرة تحذيرية، كانت كلماتها قاسية وإن كانت واقعية تمامًا… كانت تنتظر منه أن يصيح في المقابل أو يقوم بتوبيخها لكن ما فعله عكس ذلك تمامًا حيث طالعها بإنكسار وبأعين مليئة بالحزن قبل أن يُردف بآسى:

“حاضر، حاضر يا أفنان هروح… ممكن تسيبيني اطلع بيتي بقى؟” كان نوح على وشك الصعود ولكن أوقفه صوت أفنان مجددًا وقد كانت نبرتها أكثر هدوءًا هذه المرة وهي تُردف:

“سيبها في حالها يا نوح، كفاية تدمير في حياتها ومشاعرها خليك انسان كويس ولو لمرة واحدة.”

“على فكرة أنا اتغيرت صدقيني وأنا مش قصدي أزعل ميرال بس أنتِ السبب يا أفنان! أنتِ جرحتي مشاعري ورفضتيني بطريقة قاسية…”

تفوه نوح بنبرة درامية وملامح حزينة ولكن ذلك كله لم يؤثر على أفنان بل زاد من حنقها، حكت أفنان جبينها بيدها وهي تتأفف قبل أن تُعلق على حديثه بنبرة قاسية:

“بطل الوهم اللي في دماغك ده يا نوح! أنا قولتلك أكتر من مرة بطريقة غير مباشرة ومباشرة وأنتَ مكنتش راضي تتقبل الكلام وبعدين اللي أنتَ بتقوله ده ملهوش لازمة، أنا خلاص اتجوزت وجوزي في العربية مستني إشارة مني لو الكلام ضايقني هينزل والموضوع هيكبر.”

 

 

“ربنا يخليهولك العيل الطري بتاع مامي وبابي اللي أنتِ متجوزاه ده، ده أنتِ أرجل منه يا أفنان!”

أردف نوح بنبرة ساخرة محاولًا إثارة غضب وغيظ أفنان لكن في الواقع حديثه لم يفعل أي شيء سوى أن يُزيد من حبها لرحيم وزيادة إقتناعها بشخصه فهي لم تُخطئ قط في اختيارها رحيم كشريك حياة بدلًا من الأخرق نوح، ضحكت أفنان ساخرة من ما قاله قبل أن تُعلق أفنان على حديثه بنبرة واثقة:

“أنتَ فاكر أني هتضايق يعني؟ طب ما العيال الطري ده هو الراجل اللي حبيته واللي اخترته، بني آدم محترم وبيحترم مشاعر الناس اللي حواليه وبيتقبل الرفض والنقاش والآراء عادي مش انسان أناني ومتكبر وشايف نفسه أحسن من الناس! وأنا مش أرجل منه ولا حاجة أنا بس بسترجل مع الناس اللي بتتمرقع وبتقل أدبها لكن معاه؛ مع جوزي فأنا بنت عادي ورقيقة وكل حاجة.”

بصقت أفنان كلماتها الحادة في وجه نوح والذي سرعان ما اضطربت مشاعره فحديث أفنان كأن أشبه بطعنات الخنجر في قلبه، لم يجد الكلمات المناسبة للرد على ما قالته وساد الصمت لبرهة قبل أن تُكمل أفنان حديثها مُردفة:

“بص عشان منضيعش وقت أنا الكلمتين اللي عندي قولتهم وعلى فكرة ميرال قريب ربنا هيكرمها بإنسان أحسن منك مية مرة وكلنا هنبقى مبسوطين وعايشين حياتنا وأنتَ هتفضل زي ما أنتَ لوحدك.”

أغمض نوح عيناه لثوانٍ بعد جملة أفنان الأخيرة لقد كانت كلماتها تلك أقسى كلمات سمعها نوح يومًا، هل حقًا سيظل وحيدًا؟ ألن تقبل به أي فتاة؟ هل هو حقًا مريض ويحتاج إلى العلاج النفسي أم أنها قالت ذلك فقط لتؤلمه؟

تركته أفنان غارقًا في همومه واتجهت نحو السيارة لتدلف إلى داخلها بكل هدوء، رمقها رحيم في فضول وهو ينتظر داخل السيارة… ساد الصمت لبرهة وكاد رحيم أن يسألها عن ما حدث لكن أفنان سبقته وهي تتحدث بنبرة مرحة غير متوقعة قائلة:

“بقولك أيه أنا نفسي في شاورما.”

 

 

 

“من عيوني يا أفي اشتريلك المحل كله لو عايزه، عملتي أيه بقى؟ احكيلي.”

“يعني مسمعتش صوتي من عندك؟ ده أنا صوتي سمع محافظة الجيزة كلها.” علقت أفنان بسخرية شديدة وهي تبتسم ابتسامة جانبية.

“عايز اسمع منك، عايز اتناقش معاكي في اللي قولتيه واللي حصل ولا مش عايزة؟”

سأل رحيم بلطف فهو لا يريد أن يضغط على حبيبته خاصة في مثل هذا الموضوع الحساس ولكن جاءه ردٍ غير متوقع بتاتًا من أفنان حيث طالعته بنظرات جادة قبل أن تُجيب على سؤاله قائلة:

“لا عايزة طبعًا، بس أنا مبعرفش أفكر ولا أتكلم وأنا جعانة.”

نظر نحوها رحيم لبرهة بحيرة قبل أن ينفجر ضاحكًا على قوله وهو يهز رأسه للجانبين بينما يهمس:

“أقسم أنكِ لستِ طبيعية يا حبيبتي I swear you’re abnormal babee!’.”

بعد انتهاء جولة أفنان ورحيم عادت أفنان إلى المنزل وقد غمرتها سعادة كبيرة، دلفت أفنان إلى المنزل لتجد والديها يجلسان على الأريكة بينما يشاهدان أحدى البرامج الإخبارية على التلفاز.

“العواف، وحشتوني أوي حاسه بقالي كتير مش بقعد معاكوا.”

“والله؟ لسه فاكرة إن ليكي أم وأب؟ ده أنتِ رحيم شغل وقتك خالص وكل ده ولسه أنتِ معانا في البيت أومال لما تروحي بيتك مش هتسألي فينا؟”

“يااه يا رانيا أنتِ شايله كل ده في قلبك وساكتة؟ أيه يا ماما الأوفر ده؟ ما أنا وشي في وشك طول اليوم عالعموم حقك عليا ياستي وجبتلكوا عشاء معايا كمان متقوميش تعملي حاجة.”

 

 

 

“شكرًا يا ستي، خشي شوفي أختك من ساعة ما جت من الشغل وهي قاعدة لوحدها.”

“استر يارب.” نبست أفنان وهي تنزع وشاح رأسها بينما تتوجه نحو غرفتها هي وميرال، طرقت باب الغرفة بهدوء لكن لم تجد إجابة لذا قررت إقتحام الغرفة وهي تقوم بفتح الباب بقوة لتنتفض ميرال من مجلسها.

“في حد يخش على حد كده؟”

“ما أنا بخبط وأنتِ مش بتردي، مشغولة في أيه بقى؟ فرجيني.” سألت أفنان بفضول وهي تحاول جذب هاتف ميرال متعمدة إثارة غيظها لتبتعد الأخيرة عنها وهي تقول:

“ها؟ أوعي سيبي الموبايل… مفيش حاجة، ده أنا كنت بتطمن على أنس عادي يعني.”

“هو مش أنتِ كنتِ قايلة إنك هتبطلي كلام مع أنس؟ ليه جيتي جري أول لما عرفتي أنه تعب؟ وليه بتطمني عليه دلوقتي؟”

سألت أفنان بنبرة هادئة ولكن جادة وهي تجلس أمام ميرال لتضطرب معالم الأخيرة وتحاول إجابتها لكن الكلمات لم تُسعفها فأخذت تُلعثم قائلة:

 

 

“أصل… يعني قولت من الأصول… هو أنتِ بتحققي معايا يا أفنان ولا أيه؟ من أمتى وأحنا في بينا كده؟”

كانت نبرة ميرال هجومية بعض الشيء في نهاية حديثها لكن أفنان تفهمت اندفاع شقيقتها لذا أمسكت بيدها بحنان وهي تنظر إلى داخل عيناها بينما تقول بصدق ولُطف لم تعهده ميرال منها:

“أنا مش قصدي يا ميرال والله… حقك عليا، أنا بس مش عايزاكي تغلطي نفس غلطتي تعلقي نفسك بواحد بصورة غير رسمية وتفضلي مخبية على بابا وماما وتبقي بتعملي حاجة غلط وحرام… أنا مش شيخة ولا أحسن واحدة في الدنيا بالعكس أنا بغلط كتير وأنا آخر واحدة تتكلم عن الموضوع ده بس عشان أنا بحبك وخايفة عليكي مش عايزاكي تعملي نفس عملتي.”

“طب… أعمل أيه دلوقتي؟” سألت ميرال بحيرة شديدة لتأخذ أفنان نفس عميق وتُفكر لبرهة قبل أن تُجيب على سؤالها بإجابة مقنعة مُردفة:

“حاولي متتكلميش معاه خالص ولو حاول يكلمك قوليلي أنا هقول لرحيم يتكلم معاه، افتكري يا مرمر إن ‘من ترك شيئًا لله عوضه الله خيرًا منه’، والعوض ده أشكاله كتير يعني مثلًا ممكن أنس يطلع انسان كويس فيجي يطلبك على سنة الله ورسوله أو ربنا يرزقك بواحد أحسن منه أو ممكن ربنا يكرمك في حاجة تانية غير موضوع الجواز أصلًا… بصي أنا نصحتك وأنتِ فكري وأعملي اللي يريحك.”

“شكرًا يا أفنان، شكرًا إنك موجودة… أنا بحبك أوي بجد…” قالت ميرال وهي تنقض على أفنان لتعانقها عناق قوي ومن ثم تُمسك بهاتفها وتحذف محادثتها هي وأنس دون أن تقرأ رسالته الأخيرة…

يتبع..

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة باقي حلقات الرواية اضغط على : (في حي الزمالك)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *