روايات

رواية سيد القصر الجنوبي الفصل العشرون 20 بقلم رحاب ابراهيم حسن

رواية سيد القصر الجنوبي الفصل العشرون 20 بقلم رحاب ابراهيم حسن

رواية سيد القصر الجنوبي البارت العشرون

رواية سيد القصر الجنوبي الجزء العشرون

رواية سيد القصر الجنوبي الحلقة العشرون

اللهم أنت الملك لا إله إلا أنت ربي، وأنا عبدك لمت نفسي، واعترفت بذنبي، فاغفر لي ذنوبي جميعاً، إنه لا يغفر الذنوب إلا أنت، واهدني لحسن الأخلاق لا يهدي لأحسنها إلا أنت، واصرف عني سيئها لا يصرف عني سيئها إلا أنت، لبيك وسعديك، والخير كله بيديك، والشر ليس إليك، تباركت وتعاليت، أستغفرك وأتوب إليك.
صلِ على النبي 3مرات
لا حول ولا قوة إلا بالله 3مرات
سيارته خلف سيارتها تسير بجنون، رغم أنه لا يريد أن يلفت انتباهها الآن بوجوده، ورغم أيضاً مدى لهفته في المواجهة وحسم الأمر بينهما، ولكنه يريد أن يأخذ نبذة عن حياتها الآن دون أن تنتبه.
او بالأصح يريد أن يعرف حياتها كيف تسير من دونه!.
هل اصبح هاجسا لها مثلما فعلت به واصبحت له ؟!
هل حزينة لذلك الفراق ؟!
أم كان مجرد عابر سبيل في رحلتها لنسيان حبيبا آخر ؟!.
ابتلع مرارة عالقة بحلقه من تلك الخاطرة القاسية.
عابر سبيل !!.
كلمتان قاسيتان أليس كذلك !.
ولكن الاقسى أن ترميك الأمواج للبر الذي تكتشف فيه أنك كنت مستسلما في الغرق وظننت أن اليد الممتدة إليك للنجاة ما كانت إلّا إنها تتخذك وسيلة لتنجو هي وتتركك بلا التفات أو حتى نظرة وداع أخيرة!.
منتهى الأنانية وحب الذات يتملك قلب النساء !.
هكذا كان يردد في نفسه مرارًا وتكرارًا وهو يحرك عجلة القيادة في شرود مخيف برأس تتعارك فيه الخطط والأفكار وشعلة الانتقام.
بينما هي !
كانت بحالة من الصمت، للحظات كثيرة كانت ستتسبب لنفسها بحادث سير، ولكن خرجت سالمة من خطورة تيهتها طوال الطريق ووصلت أمام منزلها أخيرًا بالسيارة.
بمجرد أن خرجت أن دخلت من البوابة العريضة للمنزل كان في استقبالها رجل بآواخر الأربعين ورغم ذلك يبدو من مظهره الرياضي الرشيق وكأنه لم يتخطى الثلاثون من العمر، فتح لها ذراعيه وبابتسامة واسعة قال :
_ جي جي حبيبتي وحشتيني جدًا.
نظرت له جيهان لوهلة دون ادراك ووعي، وببطء ظهرت ابتسامتها حتى ركضت نحوه وارتميت بين ذراعيه في ترحيب حار وقالت :
_ خالي ! .. حمد الله على سلامتك.
ضحك ” شاهين” وقال بمواح وهو يضمها :
_ ما بلاش كلمة خالي دي مابحبهاش ! .. أنا مش كبير أوي كده، هتزعليني وأنا قدامي ٦ ساعات ومسافر على كندا !.
ابتسمت له بمحبة وقالت بدهشة عندما انتبهت لما قاله:
_ ٦ ساعات ؟! … كنت متخيلة أنك هتقعد أكتر من كده ؟!.
ربت شاهين على رأسها بحنان وقال وعينيه تسلل إليهما الحنين والافتقاد لشقيقته الراحلة والدة جيهان :
_ أنتي عارفة أني بقالي سنين مش قادر ارجع مصر بعد موت أمك، اتصلت بيكي الفترة اللي فاتت كتير وتليفونك مقفول، ورقم الفيلا محدش بيرد عليا خالص .. ولولا أني عارف أنك أنتي ووجيه اتطلقتوا كنت اتصلت بيه وسألته، بس محبتش اضايقك وقولت أجيلك بنفسي، أنتي عاملة ايه ياحبيبتي؟.
نظرت له جيهان بصمت للحظات، ثم ترقرقت عينيها بالدموع ولم تجيب، فأخذها شاهين بين ذراعيه بقلق وضمها بحنان، وبعدما جعلها تبك دون ان يزعج لحظات ضعفها بكثرة الاسئلة قال برفق :
_ كفاية عناد لحد كده ووافقي تسافري معايا، لو وافقتي هأجل سفري لحد ما نخلص الاجراءات ونسافر سوا، مش هينفع أسيبك تاني وخصوصا وأنتي كده!.
ابتعدت جيهان عنه قليلًا وقالت وهي تمسح عينيها من الدموع:
_ أنا كويسة ما تقلقش، بس انت كنت واحشني بس.
رفع شاهين وجهها إليه ونظر لعينيها بمحبة وقال :
_ هتسافري معايا ؟
تهربت جيهان من سؤاله للحظات ثم قالت :
_ مش هقدر أعيش غير هنا، بس اوعدك هفكر في الموضوع من تاني .. واحتمال أوافق مين عارف.
تفاجأ شاهين من الإجابة التي ولأول مرة تكن مبشرة له وميلها للموافقة أخيرًا، فابتسم بسعادة وقال :
_ ماتتخيليش هفرح قد أيه لو وافقتي تعيشي معايا في كندا، ده حلم وهيتحقق بالنسبالي .. أنتي عارفة يا جيهان أن محبتي ليكي من محبة أمك الله يرحمها .. بس على ما الساعات اللي فاضلة على سفري تنتهي مش هسيبك لحظة ..احكيلي كل حاجة.
وأخذها شاهين للحديقة من يدها مثل عادته وجلسا سوياً على ارجوحة وقد بدأ هو بالحديث وروى لها عن قصة الحب الحقيقية الذي عصفت بقلبه مع فتاة من أصول سوريا كانت تعمل بالخارج وتقابلا صدفةً.
ابتسمت جيهان بسعادة صادقة له وقالت :
_ أخيرًا رضيت تتجوز وحبيت كمان !!… لا مش مصدقة !!
ابتسم شاهين بسعادة وهو يتذكر حبيبته وقال :
_ الحقيقة مش عارف ده حصل أزاي، ورغم فرق السن ما بينا بس هي ما حسستنيش بده نهائي .. حبينا بعض من أول مقابلة … عارفة يا جيهان أنا مكنتش متخيل أن في بنت تقدر تخطفني كده، خصوصا أني مش صغير وناضج كفاية … بس قسمة بنت مافيش زيها .. بنت قوية ومكافحة وطموحة ، وأكتر شيء عجبني فيها أنها متمسكة بأخلاقها وتدينها رغم كل الحرية اللي حوالينا هناك .. دي دوخت خالك وبهدلته على ما ردت عليا السلام.
ضحكت جيهان بصدق ودهشة بآنٍ واحد على حديثه وقالت :
_ مش مصدقة أن في بنت قدرت تعمل فيك أنت بالذات كده ؟! … نفسي أشوفها أوي وأشكرها أنها خلتك فرحان ومبسوط كده.
قال لها مبتسما :
_ ما هو عشان كده كنت عايز اكلمك ضروري واتصلت بيكي كتير، الفرح بعد شهر وعايزك تسافري معايا وفرحتي تكمل ..
ضمت جيهان يده بين يديها وقالت مبتسمة :
_ قبل الفرح بكام يوم هتلاقيني عندك بإذن الله.
واكد عليها :
_ وهتكوني خدتي القرار أنك تعيشي معايا هناك مش كده؟
ترددت جيهان في الإجابة حتى قالت :
_ هكون فكرت وأخدت قرار نهائي، صدقني هشوف المناسب والمريح ليا وهختاره .. أنت في الآخر مش هيرضيك أني اكون في مكان وراحتي في مكان تاني.
وافق مبدئيًا على حديثها وقال :
_ أكيد … هستناكي وأمري لله.
حاولت جيهان التجول بين المواضيع والأحاديث لتشتت عقلها عن حزنها العميق وتخبئه عن هذا الرجل الطيب الذي لم تره منذ سنوات .. فقالت بمرح:
_ احكيلي أنت بقا حكايتك أنت وقسمة من البداية .. عايزة أعرف التفاصيل بعد اذنك.
ابتسم شاهين وهو يفتح شاشة هاتفه وينظر لوجه حبيبته ذات الجمال العربي الساحر وقال بابتسامة واسعة :
_ أول مرة اتقابلنا كنا في مقابلة شغل، كانت بتشتغل سكرتيرة لعميلة أعرفها .. وحصلت مشكلة والست دي تقريبًا أهانتها وطردتها ، وطبعا خالك الخلوق المؤدب كان لازم يتدخل، أحنا عرب زي بعض بقا وكده
سألته جيهان بلهفة وابتسامة شاعرية :
_ عملت ايه يا خلوق ؟
ضحك شاهين وقال :
_ زعقت للعميلة ورفضت المشروع وسيبتها ومشيت ..
غمزت جيهان له بمكر وهي تضع معصمها على كتفه وقالت :
_ مشيت وبس! … يعني مخرجتش وراها قبل ما تمشي ؟
ضحك شاهين عاليًا وقال معترفا :
_ فعلًا هي دي الحقيقة … هو أي نعم أنا اللي اتهانت بعد كده لأنها افتكرتني بطاردها لغرض غير شريف وفضلنا شهور على كده .. لكن لما زعقتلها في مرة وطلبتها للجواز عرفت أنها غلطانة في شكها فيا .. واتخطبنا على طول.
سألته جيهان وقالت بحزن وهي تتذكر شيء:
_ هي أكيد محظوظة … الحب اللي بجد صعب أوي اليومين دول حد يلاقيه، أنا متأكدة أنها حبتك من البداية بس خافت تكون بتلعب بيها .. عشان كده كانت بتهرب، ولما اتأكدت منك وقفت هروب … اصل مافيش اوحش من لما الواحدة تحب بجد وتحس أن بيتلعب بيها أو إنها نزوة في حياة اللي بتحبه، وقتها بيبقى الهروب عندها هو الحل الوحيد.
رد قائلًا وهو ينظر لها بمزاح:
_ دي الحقيقة .. أنتي كنتي معانا ولا ايه ؟!
ابتسمت له جيهان بمرارة وقالت :
_ لأ .. بس أنا ست زيها واقدر أفهم تصرفاتها من غير شرح.
مرر شاهين يده بحنان على شعر ابنة شقيقته وقال ناظرا لها بمحبة :
_ مستني اليوم اللي هشوفك فرحانة فيه من قلبك لما تلاقي اللي يستحقك .. احنا طول عمرنا صحاب مش خال وبنت أخته وبس، لو في حاجة جواكي ما تتردديش واحكيلي.
ماذا تقول له ؟! .. لو روت له أحداث حياتها الفائته ستنقلب سعادته لتوتر وضيق، وسيترك عمله وكل شيء ويبقى هنا بجانبها ، وستتسبب له بالازمات، فرسمت الابتسامة على وجهها وقالت :
_ مافيش أي جديد في حياتي .. بس أنا كويسة جدًا، ده أنا حتى لسه راجعة من رحلة امبارح.
سألها شاهين باهتمام :
_ رحلة إيه ؟
قالت بألم بعدما ابتلعت ريقها المرير :
_ رحلة في مكان بعيد شبه الصحرا، رحلة ما تتنسيش .. هفضل فكراها عمري كله، هتفضل سايبة أثر جوايا لسنين طويلة، ويمكن لآخر عمري.
قال بتعجب :
_ للدرجة دي ؟!
أجابت بشرود :
_ وأكتر ..
وتداركت جيهان وضعها وخالها شاهين ينظر لها بشك، فقالت بابتسامة مصطنعة:
_ المهم خلينا فيك أنت … كلمني أكتر عن قسمة حبيبتك.
عاد شاهين بكل سهولة للحديث عن حبيبته وزوجته المستقبلية، بينما جيهان هذه المرة كانت تتفاعل مع ما يقوله دون انتباه، فقد هرب فكرها لذلك القصر البعيد … وما حال سيده الآن؟ فحتما اكتشف أختفائها .. أو بالأحرى هروبها!!.
وظل “أكرم” يراقبها من بعيد وقلبه كالبركان الذي انفجر وهو يرها جالسةً بحميمية مع ذلك الرجل الغريب، وضع يدها بتلك السهولة والارياحية على كتفه تقول أن بينهما شيء أكثر من مجرد معرفة بسيطة أو حتى صداقة .. والاغرب قربها من ذلك الرجل الذي يدعى وجيه أيضاً!! … هل وقع ببراثن امرأة متلاعبة مخادعة تلهو بالقلوب متى شاءت ؟!
لا تكتفي بحبيبا واحد ؟!
أم مثلها مثل الكثيرات تعرف هذا وتوقع ذاك في شباكها لترضي غرورها ؟!
وللأسف التهب جمر الانتقام بداخله أكثر وكان على حافة أن يقاطعهما بتلك اللحظة، ولكن مهلًا.
لن يضع كبريائه بتلك المهزلة والذلة، سيصبح كالمغفل الساذج الذي دهس قلبه أسفل حذاء أنثى .. صبرًا.
****************
وبعد عدة ساعات قليلة ودعها خالها شاهين وغادر بسيارته، وشعرت جيهان بصدع رأس شديد ووهن ينتشر بجسدها ويثقله، فارتقت الدرجات حتى غرفتها بالطابق العلوي.
وحينها دخلت خلفها مدبرة المنزل وقالت :
_ أنا مقولتلهوش على حكاية اختفائك دي ومحبتش أخوفه عليكي طالما رجعتي بالسلامة.
جلست جيهان على فراشها بإرهاق شديد وقالت بامتنان:
_ عملتي فيا معروف، مكنش له داعي تقلقيه عليا طالما أنا بخير.
اقتربت منها السيدة وقالت وهي تمعن النظر بعينيها الحزينتان وتساءلت:
_ أنتي بخير بجد ؟ عنيكي مش بتقول كده .. ده أنا اللي مربياكي وحفظاكي.
منعت جيهان دموعها من الظهور وقالت بصدق :
_ أنا مش بخير وقلبي هينفجر من الحزن ، بس مش قادرة اتكلم دلوقتي يا دادة ، في الوقت المناسب هحكيلك كل حاجة.
ربتت المرأة على شعرها بحنان، ثمقالت وقد تذكرت شيء :
_ في حد صحيح كان بيسأل حرس البوابة عن خالك ، كان عايز يعرف مين هو ويبقالك ايه ؟
شعرت جيهان بقلق تفكيرها تسلل إلى أكرم، ولكن تابعت المدبرة قائلة ودحضت ظنونها:
_ ده أكيد تبع المباحث، اصل من وقت ما أختفيتي والشرطة قالبة عليكي الدنيا والبيت تقريبًا كان متراقب … عمومًا أنا كنت محذرة الحرس أن اللي يسألهم عن شيء يقولوا معرفش .. ما أنا مش عارفة إيه اللي ينفع يتقال واللي ميتقالش في المواقف اللي زي دي وما يسببلكيش ضرر.
تنهدت جيهان بعمق وقالت وقد تعكر مزاجها أكثر :
_ كده أفضل .. أنا بشكرك جدًا .. وما تقلقيش ، بكرا بإذن الله هشوف الموضوع ده مع المحامي وكله هينتهي.
اطمئنت المدبرة العجوز وغادرت الغرفة وهي تدعو لها، بينما جيهان ظلت لثوان ثابتة، ثم اجهشت بالبكاء وشعور التيهة يتملك منها أكثر فأكثر.
حتى ابتلعت قرص مسكن وتمددت على فراشها وتاهت في النوم بتعب وارهاق شديد.
***************
وفي الصباح الباكر
استيقظت فرحة على صوت باب الغرفة وهو يفتح، فنظرت بعينان نصف مفتوحتان حتى وجدت زايد يخرج من الغرفة وأغلق الباب خلفه بهدوء .. وهذا دليل على عدم رغبته في ايقاظها بتلك اللحظة .. حتى لا تسأله أو تزعجه.
فنهضت واعتدلت على الفراش وهي تفكر بحيرة وتسائل، إلى أين سيذهب بتلك الساعة المبكرة ؟!
وتنهدت بضيق وهي تنهض لتغتسل وتستفيق، ومر بعض الوقت ولم يعود !!… فبدأت تشعر بالقلق خصيصا عندما حاولت كثيرا الاتصال به، وأخيرًا اكتشفت أنه ترك هاتفه بالغرفة !!.
فتلاعب بها الشيطان عندما نسج فكرة محتالة بأفكارها بأنه لربما ذهب لعشيقته القديمة صوفي!.
وربما كان شروده وتفكيره لساعاتٍ كثيرة ليلًا ندما على تصرفه معها ليلة أمس !!.
التهبت عينيها من الغضب وقررت الخروج والبحث عنه في الحال …
وبعدما خرجت فرحة من الفندق بدأت عينيها تتجولان هنا وهناك بحثا عنه، حتى وصلتها رسالة من رقم مجهول على هاتفها تحتوي تلك الكلمات:
_ كنتي بتتحديني عشانه ! .. طب هو دلوقتي بيخونك مع واحدة في نفس الفندق اللي بتقضوا فيه شهر العسل ! .. هتبقي أغبى انسانة في العالم لو فكرتي أنه حبك بجد .. أنتي مش أكتر من واحدة رفضته واتجوزها عشان يرضي غروره .. ما تصدقيش كلامه ده اكبر كداب ممكن تشوفيه في حياتك.
وقفت فرحة فاغرة فاها وهي تقرأ تلك الكلمات، حتى وصلتها رسالة أخرى من نفس الرقم المجهول وتحتوي على رقم الغرفة والطابق التي من المفترض أنه مقيم فيها مع عشيقته الآن.
وحاولت فرحة أن لا تنساق خلف تلك المكائد، ولكن هناك احتراق بقلبها كلما تخيلت احتمالية صدق تلك الرسائل ، وحاولت المقامة وتجنب ما قرأته ولم تستطع!!.
**************
وصلت سيارة الاسعاف التي تنقل الدكتور “أمجد” للمستشفى الخاص بوجيه الزيان … وكان وجيه بنفسه يستقبل السيارة باهتمام بالغ، وبعدما تم نقل أمجد الغائب عن الوعي نزلت سمر من السيارة ووجها تغرقه الدموع والخوف، وسألته بفزع :
_ الممرضة قالتلي قبل ما نخرج من المستشفى أن احتمال الحادثة تكون أثرت على المخ والاصابة خطيرة يا دكتور وجيه .. ارجوك قولي أن ده مش صحيح.
طمئنها وجيه وقال :
_ أطمني أن شاء الله هيبقى بخير .. طالما وصل هنا هعرف اللي محتاجه وهعمله لحد ما يقوم بالسلامة.
نظرت له سمر بأمل وقالت:
_ يعني بجد أمجد هيبقى بخير وهيقوم تاني ويقف على رجليه ؟
أجابها وجيه بلطف ولم يجيب بتفاصيل حقيقية عن حالة أمجد نظرا للحالة التي اصبحت فيها سمر ..فرفق وأشفق على حالتها:
_ بإذن الله هيبقى بخير ويرجع زي الأول .. ادعيله بس وكله هيبقى تمام.
شكرته سمر بقوة لذلك الأمل الذي بثه بقلبها من جديد ودخلت لمبنى المشفى راكضة وهي لا زالت بفستان الزفاف !!.
****************
وقفت فرحة أمام الغرفة التي من المفترض أنه بداخلها الآن مع عشيقته الحقيرة، وكادت أن تطرق الباب حتى شعرت بالغباء ! .. هل تستأذن قبل أن تهجم عليهما ؟!
ضغطت على اسنانها بغيظ غضب شديد، ثم حركت مقبض الباب ودفعته حتى فتح أمام عينيها .. لتجد زايد بالفعل يقف أمام امرأة ليس أقل فتنة وجمال من صفي وقائمة نسائه، والتي لأول مرة تراها، وترتدي رداءً فاضح يكشف أكثر مما يستر، ومدى قربها منه لا يفسر غير شيئا واحد لا غير … انهمرت الدموع من عينيها وهي تسرع نحوه وترفع يدها لتصفعه على وجهه بغليان الغضب والاحتقار ..
وخرج زايد من صدمته بوجودها ومنع يدها أن تلمس وجهه باللحظة الأخيرة، حتى صرخت فرحة وهي تبك وتلفظه بالشتائم وصممت أن يطلقها .. فقال وهو يبعد المرأة الأخرى عنه ويجر فرحة من معصم يدها ليخرجان من الغرفة :
_ مش عايز كلام كتير وصريخ على الفاضي، تعالي معايا لأوضتنا وهفهمك كل حاجة.
نفضت فرحة يدها من يده بقوة غريبة عنها وهتفت فيه بشراسة وهي تبك :
_ مش عايزة أشوف قذارتك أكتر من كده .. أنا غلطت غلطة عمري لما وافقت على واحد زيك، بس الغلطة دي هتتصلح ودلوقتي ومش همشي معاك خطوة واحدة تاني .. وهتطلقني حالًا.
وافقها زايد وقال بمراوغة وهو يقترب لها ويحاول أخذها مرةً أخرى :
_ حاضر .. هطلقك في أوضتنا .. تعالي معايا بقا.
صرخت فرحة بوجهه باصرار :
_ بقولك طلقني !!
نظر لها ويبدو أنه فرغ صبره، ولكن تحكم أكثر وقال بهدوء :
_ لازم نتكلم الأول .. أظن من حقي ادافع عن نفسي !.
قالت ” روزي ” بعدما ضحكت عاليًا :
_ تدافع عن نفسك وهتقولها ايه ؟! .. أظن هتكدب وتقول أني بجري وراك مش أنت اللي طلبت تجيلي هنا !!.
نظر زايد لروزي بتهديد وتوعد ولم يرد، فتأكدت ظنون فرحة في إدانته، وقالت روزي بصوت عال وعصبية :
_ لو عايزة تعرفي مين روزي عصمت ابحثي عن اسمي على اي موقع على السوشيال ميديا، او اكتبي في البحث فضيحة رجل الاعمال الشهير والعارضة روزي عصمت .. هتلاقي صورنا بالبونط العريض .. وعلى فكرة جوزك شافني امبارح في الحفلة والنهاردة اتصل بيا وصحاني من النوم ومصمم يقابلني وهنا في أوضتي … تقدري بقا تفسري ده بإيه ؟!.
وعموما أنا مش عايزة دوشة ، اطلعوا برا انتوا الاتنين.
ومن الثقة التي تتحدث بها روزي ايقنت فرحة أنها غالبًا لا تكذب، فرمت زايد بنظرة تحتقره وركضت للخارج .. فنظر زايد لروزي بتوعد وقال :
_ أنا هعرف اردهالك أنتي واللي بعتك لهنا .. بس في الوقت المناسب.
ضحكت روزي بشمانة ونظرة انتقامية منتصرة وهي تراه يسرع خلف زوجته التي لن تتراجع على الطلاق مثلما يبدو، واجرت روزي مكالمة هاتفية ليجيب عليها هيثم قائلا :
_ ها .. تمام ولا هتتركني جنب صوفي وأشوف غيرك ؟
اجابت روزي بسخرية وقالت :
_ مش انا اللي اتركن .. انتقمت منه زي ما ضحك عليا واستغل حبي ليه ودمرني .. والنهاردة بقينا خالصين… البت اللي أتجوزها شافتنا ومصممة على الطلاق .. بس هو ذوقه بقا وحش ليه كده ؟!
قال هيثم بتمتمة :
_ ذوقه وحش ! .. لأ هو استنضف المرادي بصراحة.
هتفت روزي فيه وقالت :
_ بتقول ايه ؟!
صحح هيثم حديثه وقال :
_ بقول عندك حق .. بقا حد يسيب صاروخ زيك عشان يتجوز واحدة زي فرحة دي !!..
قالت روزي بتأكيد هي تغلق الاتصال :
_ أنا نفذت اللي قولتلي عليه … لو أنت ما نفذتش بقا شرطي ما تلومش غير نفسك.
صاح بها هيثم وقال :
_ أنتي بتهدديني ؟!
قالت روزي بحدة غير مبالية بمكانته :
_ اعتبره تهديد .. البت دي لازم تختفي من الوجود .. مش هسمحله يكون لحد غيري ..
اقترح هيثم عليها شيء وقال :
_ أنا عندي اقتراح احسن وأفضل ، ايه رأيك لو يحصل بدل ، يعني أخد انا فرحة .. وأنتي يرجعلك زايد ..؟
ضحكت روزي بسخرية وقالت :
_ عبيطة انا !… هو أنت فاكر أنه هيسيبك كده بسهولة تاخدها منه ؟! … ده أنت بتحلم !! … اللي شوفته امبارح في الحفلة وشوفته النهاردة مايقولش غير أنه بيحبها بجد ومستحيل يسيبها …
وابتلعت روزي مرارة وقهر شديد بقلبها وهي تعترف ذلك الاعتراف ، ثم تابعت بكراهية لتلك الفرحة :
_ أنا مصممة على شرطي .. ولو ما نفذتهوش اعتبر الاتفاق اللي ما بينا لاغي وزايد هيعرف كل حاجة وكل خططك اللي فاتت واللي جاية.
قالت ذلك وانهت الاتصال بعصبية عينيها تقدحان شررا منذ أن شاهدت زايد مع زوجته.
**************
وفي المطار كانت جيهان تودع خالها قبل أن يغادر صالة الانتظار، وقال لها بعتاب :
_ مابحبش اللحظات دي وأنتي خبيتي عني أنك جاية !
ضمته جيهان بقوة وقالت :
_ مقدرتش ما اشوفكش تاني قبل ما تسافر .. توصل بالسلامة.
ابتسم لها شاهين بمحبة، ثم قبّل جبينها برقة وحدثها لبعض الوقت، ولحظات وكان يلوح لها بيده مغادرا المكان ويجر حقائبه … وخرجت جيهان من المطار وذهبت للمشفى ، ولم تدرك أنها تحت مراقبة عينان شاهدت المشهد كاملًا منذ أن وطأت قدميها أرض المطار !!.
وعندما وصلت للمشفى استقبلها وجيه وأخبرها بالاستدعاء المرفق باسمها من الشرطة وبضرورة الذهاب للإدلاء بما تعرفه عن ذلك الأمر.
فقالت وهي مشوشة وتائهة عندما جلست بجانبه بالسيارة :
_ أنا مش عارفة ليه ده كله بيحصل ..؟!
اجابها وجيه وهو يحرك السيارة :
_ لأن البنت اللي سرقت عربيتك لقيتك بطاقتك وعرفت عنوانك واسمك بالكامل، ولما اتنقلت المستشفى وهي متصابة قالتلهم اسمك انتي على انها هي .. وللأسف عرفت تهرب، والولد اللي لقيوا جثته معاها في الحادثة كان مسجل خطر وعليه قضايا .. في سوء فهم في الموضوع ولازم يوضح .. وده مكنش هينفع وأنتي مش موجودة ومختفية . واختفائك ده اللي زود الأمر سوء !!.
وتابع بتصميم :
_ لازم تفتكري مكان البيت اللي كنتي فيه وتقوليه في التحقيق ، لازم تثبتي أنك كنتي موجودة في البيت ده طول الفترة اللي فاتت .. والأهم من كل ده لازم صحاب البيت يشهدوا معاكي … ارجوكي يا جيهان حاولي بأي طريقة !.
ازدردت جيهان ريقها بخوف وقلق ، حتى حذرها وجيه قائلا :
_ على فكرة .. خدي بالك أنك هتلاقي صحفيين هناك وهيصمموا يتكلموا معاكي ويعرفوا الحقيقة .. ما تتكلميش خالص مع مخلوق وماتديش فرصة لحد أنه يحرف كلامك عشان يعمل منه صفحة أولى في الجرايد، وما تقلقيش .. المحامي هيحصلنا على هناك.
اخذت تحذيره بمحمل الجد ولكن القلق تصاعد بقلبها، وعندما وصلت أمام الجهة الأمنية وجدت المحامي ينتظرها بالخارج وحوله بعض الصحفيين، الذين حينما وقعت أعينهم عليها ركضوا نحوها متسائلين بعدد ضخم من الاسئلة، فأبعدهم وجيه بلياقة ليبتعدوا … ثم دخل الثلاث للمبنى استعدادا للاستجواب والتحقيق.
وراقب أكرم ذلك المشهد أيضا ودهش للحظات، ثم خرج من سيارته واقترب لأحد الصحفيين واجتر الحديث معه، حتى عرف السبب خلف مجيئها اليوم …
***********
وقف المحامي أمامها قبل أن تُعرض للتحقيق وقال:
_ ارجوكي قوليلي عنوان البيت اللي كنتي عايشة فيه في فترة أختفائك، عشان اجيب أدلة أنك كنتي هناك وقت حر يق العربية وهروب المتهمة الحقيقية!!
ارتبكت جيهان وجسدها يرتجف من الخوف، ولكنها رفضت إخبار مخلوق بمكان القصر وقالت:
_ مش هعرف احدد المكان بالضبط، ماتضغطش عليا عشان معنديش إجابة أقولهالك.
تحدث وجيه وقال بانفعال:
_ يا جيهان حاولي ارجوكي، الصحافة نشرت الخبر وبتتهمك بحاجات كتير، وده شيء هيضرك وهيضر سمعة المستشفى وكل اللي فيها!! .. الموضوع مبقاش يخصك لوحدك؟!.
صدمت جيهان من ما سمعته، حتى انتفض قلبها وأصيبت بصدمة أعنف حينما رأت آخر شخص كانت تريد رؤيته الآن، وفور اقترابه منها وجدت نفسها تتحرك وتختبئ منه.. ولكن الحاجز الذي سيشعل القنبلة الموقوته بقلب أكرم هو ذلك الحاجز البشري الذي اختبأت خلفه جيهان.
فقد وقفت خلف ظهر “وجيه” ونظرت لأكرم بخوف وقسوة.. ودموع مسجونة بعينيها..!
وزلزل صوته شيئا بقلبها وهو يطلب الحديث منفردا مع المحامي، وبعد دقائق عاد المحامي مستبشرا ومبتسما وقال :
_ الحمد لله … دلوقتي بس اقدر أقولك اطمني … حظك الحلو وقعك مع أكرم حجازي ،الموسيقار المشهور اللي كان مختفي من فترة .. هو بنفسه جاي يأكد أنك كنتي مقيمة في قصره المهجور مع أطفال شوارع خدهم وكفلهم .. يعني حد في مكانته وشهرته مش محتاج يشهد زور وده هيقوي موقفنا جدا في التحقيق.
دهش وجيه من بكاء جيهان ورعشة جسدها المفاجئة ! .. فنظر اليها بغرابة خصيصا عندما رفعت رأسها وتسللت نظراتها لأكرم الذي يقف بعيدًا مصوبا عينيه عليها بنظرات شرسة .. تعجبت من موقفه معها رغم ما تقوله عيناه من كراهية وعنف!.
وتعجبت أكثر كيف انتهت التحقيقات بايجابية والتي كانت فيها كالمغيبة، تجيب وكأنها تقرأ من ورق دون تركيز .. ودون حتى التفاتة خرج أكرم وغادر سريعا المكان حتى نظراتها الباكية ، هل يعقل أنها ستكن المرة الأخيرة التي تراه فيها ؟!.
فقالت لوجيه برجاء :
_ وجيه .. بعد اذنك وصلني البيت حالًا ..
وللمرة الثالثة يؤجل وجيه سؤاله عن الغموض الذي يلتف حول فترة أختفائها وعاد بها للمنزل.
***********
اسرع زايد في قيادة السيارة بعدما اجبر فرحة على الجلوس بجانبه وعاملها بعنف كي تنقاد لرغبته، وتجاهل تماما صراخها وهتافها ليتوقف .. وسيره لغير وجهة محددة وهو نفسه لا يعرف إلى أين ؟! ..
والأكثر من ذلك منع الطبيب عنه قيادة السيارة لفترات طويلة بسبب اصابة قدميه !!.
ولكن الآن يريد أن يبعدها ويبعد نفسه عن جميع المكائد التي تحاك ضده … والذي ومع كل جهده أن لا يسقط فيها فقد سقطت بالفعل اليوم وكادت علاقته بفرحة تنتهي وللأبد.
قبل أن يتأكد ويجد دليلا قاطعا على براءتها !.
هتفت به بصراخ :
_ أنت رايح بيا على فين ؟!
رد بهدوء مستفز :
_ لأي مكان محدي شاف وشي فيه قبل كده عشان خلاص جبت أخري .. زهقت من الشرح والدفاع عن نفسي!
صاحت بعصبية وشراسة:
_ مهما تعمل قراري مش هيتغير .. هتطلق يعني هتطلق ! … المرادي مش زي كل مرة ..المرادي أنا مش عايزاك بجد ولا عايزة أشوف وشك تاني.
ابتلع ودفن طاقة عصبية كادت أن تنفلت بإجابته وقال :
_ ممكن تهدي وتسكتي لحد ما نلاقي مكان ينفع نتكلم فيه براحتنا .. ومش هحذرك تاني وأقولك انتبهي لكلامك معايا .. أنا بس مقدر الحالة اللي أنتي فيها ومش هعلق على اللي قولتيه ..
دهشت فرحة من بجاحته ومقدرته على التحدث بعدما شاهدته !! … وهنا قررت أن لا تربط حياتها مرة أخرى مع هذا الرجل !!.
***********
وفي الطريق طلبت جيهان من وجيه أن يتركها أمام أحد المطاعم الصغيرة ، وصممت أن يذهب ويعود لعمله ومشفاه، وبالمطعم جلست لتهدأ من روعها قبل أن تعود للمنزل .. ولكن مرت الساعات عليها وهي لا زالت على حالتها .. وأتت ساعات الغروب وهي في طريقها للمنزل حتى حل الليل وهي تصعد الدرجات حتى غرفتها بالطابق العلوي بعد عادت لمنزلها بالفعل.
فمنذ أن وقعت عينيها عليه وهي وكأنها تركض من شيء، حتى أنها لا تعرف كيف ومتى وصلت للمنزل؟!!
وها هي الآن تستند على باب غرفتها المُغلق لاهثة تلتقط أنفاسها بصعوبة وقلبها يخفق بجنون.
وخوف؟!
وهل يمكن للخوف أن يكون الوجه الآخر للطمأنينة؟!
وفجأة انقطعت الاضاءة، وتصاعدت دقات قلبها وهي تنظر للستائر الحريرية وهي تتطاير من هواء الشرفة المفتوح بابها على مصراعيه.
ويطل من خلفها نور القمر الذي كسر الظلمة بعض الشيء، واحتاجت جيهان إلى استنشاق بعض الهواء النقي، علها تستطيع أن تثلج قلبها المتقد كالجمر.
ولكن بعد خطوات قليلة نحو الشرفة ظهر أمامها هيكل بشري ضخم وكأنه أتى من المجهول.
لم تستطع رؤيته بوضوح ولكن خطواته إليها تبدو مألوفة
حتى أنفاسه .. ورائحة عطره تعرفها حق المعرفة.
لم يلزمها الكثير من الوقت لتعرف أنها أمام سيد القصر الجنوبي.
واليوم هو من أتى .. ولكن هل أتى ليغلق ملفات الماضي، أم ليفتحها من جديد ويبدأ وقت الحساب؟.

يتبع…

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة باقي حلقات الرواية اضغط على : (رواية سيد القصر الجنوبي)

تعليق واحد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *