روايات

رواية مراد وجهاد الفصل الرابع 4 بقلم جهاد عبدالعال

رواية مراد وجهاد الفصل الرابع 4 بقلم جهاد عبدالعال

رواية مراد وجهاد البارت الرابع

رواية مراد وجهاد الجزء الرابع

مراد وجهاد
مراد وجهاد

رواية مراد وجهاد الحلقة الرابعة

-عامله إيه النهاردا؟
كنت داخل مبتسم، جايب معايا رواية بتحبها، مر أسبوع وهي في المصحة، القرار كان صعب لما عرضته على أبوها رفض، بس حالتها أجبرته، كل يوم وكل لحظة براقبها فيها، طول الأسبوع ضامه رجليها لصدرها وبتهز في نفسها بهدوء، لا بتنام ولا بتأكل، عيونها مفتوحه للفراغ، رغم حرقة قلبي عليها ألا إني ببتسم علشان أطمنها، لسه متعرفش إني بقيت زوجها، ومش عارف أمتى هقدر أقولها، بس اللي عارفه إني هنا وهفضل هنا.
-شفتي جايب معايا إيه النهاردا، رواية جديدة هقرأهالك كلها.
_..
-أنتِ خلتيني أقرأ روايات الحاجة الوحيدة اللي جدي مقدرش يعملها طول حياته، بس والله كان فايتني كتير، ولأجل عيونكِ نقرأ حكايات طول الليل.
عيونها ثبتت عليا وجسمها بطل يتهز، حسيت بفرحة كبيرة أنها بتستجيب لكلامي حتى لو بطريقة غير مباشر، مدتهاش فرصة وبدأت أحكي في الرواية، بشغف وحماس كبير.
-وبس يا ستي، دي النهاية.
رفعت عيوني ليها لقيتها نامت، مكنتش مصدق أنها نامت من غير مهدأ ولا أضطرينا نحطلها منوم في علاج، قمت قربت منها بسرعة وعدلتها علشان تنام كويس بدل قعدتها دي، كانت أول مرة ألمسها، حسيت برعشة في كل جسمي، متوتر خايف وحاسس بخجل، بس شجعت نفسي وعدلتها كويس وغطيتها، قربت بتوتر أكبر وطبعت بوسة طويلة على جبينها، وبعدين خرجت بهدوء من الأوضة.
-أنا كار الحب دا مش كاري والله، رجعوني زي ما كنت لو سمحتوا.
كان بيتكلم بسرعة وهو رايح جاي قدامي في المكتبة، أتكلمت بزهق وأنا بزعق فيه.
_ما تتهد يابني بقى وتقولي مالك، في إيه؟
-أنا ياجدو أفضل يوم كامل ماسك أيدي وببصلها علشان لمستها، لا وكمان مش مصدق إني بوستها.
بصيتله وضحكت، فحسيته أتكسف أكتر ما هو مكسوف أصلًا، حاولت أهديه.
_يعني كل دا علشان لمستها وأنت بتعدلها تنام؟
-حاسس بشعور حلو ومخيف في نفس الوقت، أنا مش مصدق إني بحب وأن مجرد لمسه لأيدها تعمل في قلبي كل دا، جدو حاسس أن قلبي هيخرج من بين ضلوعي.
قالها بخوف وهو بيحط أيده على قلبه، ضحكت أكتر وأنا مش متخيل أن دا حال حفيدي القوى لمجرد أن قلبه وقع في حب وحده، أتكلمت وأنا بطبطب على كتفه.
_مش هيخرج متقلقش، قوم روح لمراتك ومتفكرش في الأمور دي.
-مراتي!
قالها وهو بيبتسم ببلاها، رديت عليه بنفاذ صبر.
_يابني قوم الله يهديك أنا راجل صاحب مرض مش هقدر على جنانك دا.
-ياجدو أروح لمين يعني، ما أنا مش قادر أتكلم معاها، أحكيلها مشاعري وأنا حاسس بإيه وهي قصادي كدا.
_هتتحسن وتقولها كل حاجة، أحتفظ بيهم بقى وبلاش تصدعني.
-أنت لو لقيني على باب المكتبة مش هتعاملني كدا.
_معلش، قوم روح بقى.
-قايم، بس مش هروح.
_أومال هتروح لمراتك؟
أبتسم تاني بسبب وقع الكلمة، فخبطت كف على كف، فاتكلم وهو بيهز دماغه.
-لا مش رايح لمراتي.
_هتطفش؟
-كنت أتمنى، بس أنا رايح بيت جهاد.
_ليه؟
عدلت هدومي وأنا بستعد للخروج من المكتبة وأتكلمت بهدوء.
-هطمن على باباها وصحته، وهشوف أوضتها لعلي ألقى حاجة تساعدني.
_كويس، أبقى هاته يقعد معايا في المكتبة بدل قعدته لوحده دي.
-كنت بفكر في كدا فعلًا.
_أحساسه بالذنب مش هيفارقه، وخصوصًا وهو قاعد لوحده كدا، مش هيبطل تفكير ولوم في نفسه.
-هجيبه معايا.
_تمام يا حبيبي.
-عايز حاجة قبل ما أمشي.
_تسلم.
قربت بوست أيده وخرجت بعد ما طبطب على ضهري بحنان، كنت ماشي في الشارع وأنا بفكر، فيها وفي أهلي وفي وضعنا، ماما مش عاجبها قراري بالزواج منها ومعترضه، ورغم أعتراض بابا ألا أنه بيحاول يقنعها، جدو الوحيد اللي واقف معايا وبيدعمني، بقيت حاسس إني محتاج دكتور نفسي والله، مش عارف أعالج نفسي من كل اللي حصل، وصلت قدام بيتها، أتنهدت بصوت عالي وأنا ببص على العمارة من برا، خدت نفس طويل ودخلت.
_مُراد!
-عامل إيه ياعمي؟
_جهاد كويسة؟
-الحمدلله بخير، متقلقش عليها.
_أسف يابني أتفضل، من خوفي بس.
-ولا يهمك، أنا جيت أطمن عليك.
_فيك الخير يابني، من يوم ما جهاد فارقتني وأنا بقيت شبه جذع الشجرة القديم.
قعد على الكنبة وأنا قعدت قصاده بعد ما قفلت الباب، كان منظر البيت كئيب فعلًا عن كل مرة كنت بدخله وهي فيه، أتكلمت وأنا بطبطب على رجله.
-هترجع وهيرجع معاها شبابك، المهم تكون مؤمن أن دا أبتلاء وربك بيختبر صبرك مش أكتر.
_صابر والله، بس غصب عني دا أنا كنت بحرق زهرة عمري من غير ما أحس.
-الأهم من الغلط هو أعترافك بغلطك وتصحيحك لكل اللي فات، ربنا أداك فرصة غيرك مش بياخدها، مش عايزك تفكر في حاجة غير أنك أزاي تعوضها عن كل اللي فات.
_ترجع بخير بس وأنا عمري ما هجرح قلبها.
-بإذن الله هترجع.
أتكلمت بمرح وأنا بحاول أفك القعدة وأخرجه من المود دا.
-قوم بقى أجهز علشان جدو منتظرك في المكتبة، ودا مش بيحب التأخير خالص.
أبتسم أبتسامة حزينة كدا ورد وهو بيحاول يرفض بلطف.
_مش قادر أخرج للشارع والله.
-لا، مينفعش دا جدو يتبرى مني، يرضيك؟ قوم بس ولحد ما تغير هدومك استأذنك هدخل أوضة جهاد شوية!
رفع عيونه لباب أوضتها، هزلي رأسه بالموافقة من غير ما يتكلم، محبيتش أزود كلام وقلت وأنا بقوم من جبنه.
-مش هتأخر تكون حضرتك جهزت.
دخلت أوضتها وقفلت الباب ورايا، لفيت فيها بهدوء وأنا بتأمل كل ركن، رغم كل الحزن اللي في قلبها لكن أوضتها هادية، هادية لدرجة اللي يدخلها مش عايز يخرج منها، منظمة ومليانة كتب، في كل ركن كتاب وأقلام ودفاتر، على الحيطان فراشات و رسومات مختلفة، ريحة الأوضة ريحان بسبب الزرع اللي حطاه تحت الشباك، أبتسمت بوجع وأنا بقرب من ريحانتها، كانت أرضها ناشفة ومتشققة، وبرغم كدا لسه ريحتها بتفوح، أزاي شخص يكون شايل جواه تعب بالحجم دا وفي نفس الوقت بيحاول، الطاقة دي جابها منين.
-هو أنا حبيتكِ ليه؟
سؤال طلع مني بصوت عالي وأنا بقرب من صورة ليها كانت على حرف مكتبها، مسكت الصورة أتأمل في ملامحها بحب، حب لو أتوزع على أهل الأرض هيكفيهم، لفت أنتباهي ورق كتير على مكتبها مش مترتب، قلبت فيه بعشوائية لقيت أغلبه ورق متشخبط فيه لحد ما أتقطع، كانت بتخرج طاقتها في الورق، بدأت أدور بدقة أكتر وسط حاجتها، لحد ما وقع في أيدي دفتر مكتوب عليه “ليه” بخط كبير، مسكته بسرعة وبدأت أقلب فيه.
-مذكراتها!
إلى حد ما فرحت، كونها كانت بتكتب دا في حد ذاته محاولة للعلاج، بدأت أقرأ طفولتها وشبابها، ذكرياتها في المدرسة والجامعة، كانت بتكتب بقلبها، بتكتب بحرقة، أزاي كانت بتتعرض للتنمر في المدرسة، وأزاي صحابها محبوهاش وبعدوا عنها، أزاي بنت جيرانهم بتتريق عليها بشكل مستمر في صورة هزار، وأزاي هي وحيدة في دنيا واسعة مليانة بشر، دمعة نزلت من عيوني وأنا بتنهد بوجع، يمكن سمعت مشاكل ناس كتير بس المرة دي غير، المرة دي بسمع لوجع حبيبتي، البنت الوحيدة اللي قدرت تاخد قلبي، كأن وجعها وجعي، الدفتر كتبت في كل حاجة، لكن أخر سنتين بطلت تكتب، قلبت في باقي الدفتر لقيته فاضي، وأخر مرة كانت كاتبة تاريخ من سنتين، قمت بسرعة وبدأت أدور في باقي كتبها ودفاترها لعلي ألقى دفتر غيره بتكتب فيه، لكن ملقيتش.
-وقفت كتابه، ليه وقفتي ليه سمحتي لكل دا يتراكم جواكِ؟
كنت بتكلم بصوت عالي كأنها هتسمعني وهترد عليا، كنت بتمنى ترد، مسحت وشي وبصيت في فوني لقيت مر ساعتين من وقت ما دخلت الأوضة، بباها مخبطش عليا، خدت الدفتر وخرجت من الأوضة ملقتهوش، فتحت فوني علشان أرن عليه لقيت رسالة منه، أنه محبش يقطع لحظة وجودي في أوضتها ونزل راح المكتبة لجدو، خرجت من الشقة وأنا بضم الدفتر بين أيديا، يمكن لو فضلت تكتب مكانتش وصلت للمرحلة دي، ليه الدنيا قاسية مع قلب أرق من الفراشات زي قلبها!
_أخبار حالتها إيه؟
بصيت جنبي لقيت دكتور زميلي في المستشفى، أتنهدت ورجعت بصيت عليها وهي قاعده في جنينة المستشفى ومغمضة عيونها تحت أشعة الشمس.
-الحمدلله في تحسن ملحوظ.
_لسه متكلمتش؟
-للأسف لسه، لكن الحمدلله بقيت تخرج من أوضتها، وبتتفاعل مع كلامي وبتنام بشكل منتظم، حتى الأكل رجعت تأكل من غير ما تتعب قلبي معاها.
_عرفت أنك أتزوجتها؟
-أيوة، جدو قالها من شهرين.
_ورد فعلها كان إيه؟
-مفيش رد فعل، كأن الموضوع مش فارق معاها أو كأنها مسمعتش في الأساس.
_خير، إن شاء الله تتحسن، الأمل في حالتها كبير، المهم أنت متملش.
-أمل! دا أنا أنتظرها العمر كله ولا يقل شغفي لرجوعها ولا تنطفي لمعة عيني.
_أومال شكلك مش عاجبني كدا؟
-تعبان، تعب مش قادر أوصفه، يمكن علشان شايفها كدا ويمكن علشان محتاجها وهي بعيدة.
سكت شوية وأتكلم وهو بيقوم من جنبي.
_الحب مُتعب، زيه زي أي حاجة في الدنيا، بس الفرق أن تعب الحب حلو، ونهاية التعب دا أحلى، أصبر وربك هيفرجها.
-يارب.
سابني ومشي ورجعت أتأمل فيها تاني، ست شهور مروا وهي هنا، رغم كل محاولاتي أنها تتكلم ألا أنها رافضة، حتى بباها واجها وأعتذر منها لكنها مردتش عليه، عيطت وصوت عياطها مكانش بيتقطع لمدة يوم كامل ورغم كدا برضو متكلمتش، ميأستش لكن قررت أسيبها براحتها، تتكلم وقت ما تحس أنها مستعدة لكدا، من شهرين جدو قالها إني بقيت زوجها، كان بيحاول يخليها تتكلم بس حتى دا منفعش، من ست شهور لما لقيت مذكراتها قدرت أوصل لجزء كبير من علاجها كان عدم كلامها هيعطله، المذكرات اللي أول ما شافتها أتخضت وخدتها من أيدي بسرعة، كانت دي رد الفعل الوحيدة اللي خرجت منها خلال كل الشهور دي، محاولتش أمنعها، بس قلتلها لما تكون مستعده تنسى وتبدأ حياة جديدة، وقتها بس تحرق الدفتر دا، ولحد الأن متحرقش ولسه محتفظه بيه، هيجي يوم وتحرقه أنا واثق من كدا، قومت من مكاني وأتمشيت لحد ما وصلت عندها، قعدت جنبها وأتكلمت بمرح كعادتي معاها.
-ياريتني كنت الشمس، على الأقل كنت هقدر أتأمل في ملامحكِ وأنتِ مغمضة عيونكِ ومطمنة ليها بالشكل دا.
فتحت عيونها الحلوين ببطء وبصتلي بهدوء، هدوئها بيربكني، كلها بتبركني بحس أنها قادره تشوف مشاعري، مشاعري اللي بتكسف أخرجها كأني مراهق بيحب زميلته وخايف يرفع عيونه فيها من بعيد، أتكلمت تاني وأنا بقرب أيدي من أيدها وبحضنها، من يوم ما عرفت إني زوجها وأنا بعمل معاها كدا، كنت قبلها بعملها وهي نايمه، بس أتجرأت وبقيت بحضن كفها بين كفوفي وهي صاحيه.
-تعرفي، كنت دايمًا بسمع جملة “حبيت جميل ياريتني ضله” وكنت بتأثر بيها لدرجة إني مش بصدقها، أصل مين يحب حد لدرجة أنه يتمنى يبقى ضله علشان ميفارقهوش، بس من يوم ما حبيتك وأنا كل منايا أبقى ضلكِ.
أبتسمت، شفت منظر طلوع الشمس من ورا جبل وزوال الليل والخوف؟ أهو أنا شفت أبتسامتها، أبتسامة ليها أكتر من ست شهور مش بتظهر، ضحكت بفرحة وأنا بتكلم بسعادة.
-لا متبتسميش كدا، دا أنا قلبي غالي أوي وكفاية وقع مرة في عيونكِ، عايزه توقعيه في أبتسامتكِ كمان؟
المرة دي ضحكت وبعدت وشها عني، حد ياشباب يشوف إيه صوت الطبول دي، ما هي أكيد مش جاية من قلبي.
-أفهم من ضحكتِ أن قلبكِ مال، وفي أمل أتحب زي ما بحب وقلبي دايب؟
سألتها وأنا بغمز بعيني بعد ما لفيت وشها أتجاهي، فضلت بصالي وساكته، كأنها بتفكر وأنا والله ما صدقت فرصة للقرب والهدوء دا، فسكت أنا كمان.
_جهاد عامله إيه يابني؟
سألها جدو وهو بيقرب مني أول ما دخلت المكتبة، أتكلمت وأنا باخد المية من على مكتبة.
-طب حتى أطمن عليا، دا أنا زي حفيدك برضو.
_ما أنت زي القرد قدامي أهو.
-قرد!
نطقتها بذهول وأنا بشاور على نفسي، أتكلم تاني وهو بيخبطني بعصايته.
_طمني عليها وبلاش غلاستك دي.
-الحمدلله كويسة، متقلقش.
_متكلمتش؟
أتنهدت وأنا ببتسم أبتسامة قاتلها الحزن، وبتكلم.
-لسه حرماني من صوتها.
_طب وبعدين يابني؟
-كل خير ياجدو، كفاية أوي عليا أنها بتبتسملي وبتسمعني، ودلوقتي لما بمسك أيدها بحس بيها بتزيد من ضمت أيدها على أيدي، حاسس إني ملكت الدنيا والله.
_دي حاجات مبشرة، بس كمان الوضع زاد، دي ليها سنة ياحبيبي، معقول سنة كامله متتكلمش فيها كلمة وحدة.
-النهاردا هكتبلها خروج من المصحة.
_بجد؟
– أيوة، حالتها أحسن بكتير من أنها تفضل هناك.
_طيب وهتروح على فين؟
-على بيتها أكيد.
_طيب وأنت، وحالكم دا؟
-قصدك على زواجنا يعني؟
_أيوة.
أتكلمت بهزار وأنا بقوم من مكاني وبجهز علشان أساعده في رص الكتب وتعديل الأرفف.
-هروح أعيش معاها في بيتهم، أنا طالع كسبان في الزواجة دي والله.
_هتعيش في بيتهم أزاي يعني؟
-يعني أنت عارف أن شقتي جاهزة، بس مقدرش أطلعها من المصحة على بيتنا، هي مش هتتقبل حاجة زي كدا، لسه متعافتش كفاية، ولا حتى أنا هقبل أنها متحسش بفرحة البنات وهي بتودع بيت أهلها وبتروح بيت زوجها.
_كل مرة بتثبتلي أنك أتربيت يا مُراد.
-ألاه هو أنا سمعتي غير كدا ولا إيه؟
_يعني.
-طيب ياسيدي شكرًا كفاية، هات بقى أساعدك.
ضحك وأداني الكتب وبدأت أرص فيها، كنت بفكر هعمل إيه مع أهلي، رغم السنة اللي مرت واللي المفروض تثبتلهم إني مستحيل أسيبها، لسه مصرين إني بضيع عمري جنبها، بس ميعرفوش أن يا محلاه عمر ضايع لأجل عيونها.
_دكتور مُراد!
أتخضيت من صوت الزعيق باسمي، لفيت لقيتها مريم المرافقة لجهاد في المصحة هنا، رديت عليها بقلق.
-في إيه يا مريم؟
_جهاد يا دكتور.
-مالها، حصلها حاجة؟
_خرجتني برا الأوضة، وبعدها لقيت دخان طالع من تحت الباب، حاولت أدخلها بس قافله الباب.
أتخضيت، قلبي أترجف، قربت من مكتبي بسرعة وبأيد بتترعش خرجت نسخة من مفتاح أوضتها كانت دايمًا في درج مكتبي، خرجت جري لأوضتها وبدأت أفتح الباب بخوف وفزع، مش معقول بتأذي نفسها، هي أتعافت أكيد أتعافت، كنت بردد الكلمات برعب، وكأن المفتاح معاندني ومش راضي يدخل، دخلته بصعوبة وفتحت بسرعة، دخلت جري وأنا بنده عليها.
-جهاد!
كانت قاعده على طرف السرير وقصادها في الأرض حاجة بتتحرق، مقدرش أحدد إيه هو من كتر خوفي وتركيزي معاها، كانت دموعها بتنزل وعيونها ثابته على مكان النار، قربت منها وشديتها لحضني، أول مرة أحضنها أنا اللي محتاج الحضن مش هي.
-أنتِ بخير، إيه النار دي، أتأذيتي؟
كنت بضمها زيادة وأنا بتنفس بسرعة، معرفش مر قد إيه بس بعدتها عن حضني وبصيت للنار، وقربت منها طفيتها بسرعة قبل ما تأكل كل الورق اللي بيتحرق، ركزت وبصعوبة عرفت أنه دفترها، عيوني وسعت وأنا بلف وأبص عليها، لقيتها رفعت عيونها ليا وفضلت ساكته، دموعها بس اللي بتنزل، طلعت على سريرها ونامت بهدوء، قدرت تحرق كل وجعها، قدرت تاخد قرار أنها عايزه حياة جديدة، عايزه تعيش، على قد رعبتي في الأول على قد ما أرتحت دلوقتي، قربت أتجاها وأنا بقعد جنبها على السرير وبمسح على شعرها.
-كتبتلك على خروج، هتفارقي المصحة دي للأبد، بس متفكريش أنك هتقدري تخلصي مني، أنا قاعد على قلبك.
أتكلمت بهزار بقي ملازمني من وقت ما شفتها، رغم إني شخص جدي ومبتكلمش كتير، لكن علشانها أتغيرت وبعمل كل حاجة متخيلتش في يوم أنها تصدر مني.
-أه مش هتاخديني لحم وترميني عضم، دا أنا دكتور قد الدنيا بس الحب بهدلني شوية.
دخلت في حضني من غير كلام، أبتسامتي وسعت وأنا بضمها زيادة وأيدي لسه بتمسح على شعرها، حركاتها دي بتفرحني، كأنها بتقولي خليك متمشيش.
_مكان الكتب غير مكان الروايات أنت لخبطتهم كدا ليه؟
فضلت عشر دقايق استوعب الصوت دا جاين منين، كنت واقف في أوضتها في بيت أبوها برتب الكتب، ليها أسبوعين خرجت من المستشفى ورجعت بيتها، كنت بقضي اليوم كله معاها في أوضتها، وأوقات بجبرها تنزل تتمشى معايا، كل أملي أنها تتكلم ترجع تسمعني صوتها، ميأستش وخصوصًا أن شايف تطورها في كل حاجة، لفيت ببطء وأنا ببص عليها بطرف عيني، كانت قاعده على السرير وبتبص على كفوفها، ضحكت وأنا بقرب منها وبتكلم.
-من كتر ما بتمنى أسمع صوتك، أتهيألي أنك أتكلمتي من شوية.
خبطت أيدي على جبيني وأنا بمسك كفوفها اللي بتتفرج عليهم دول وبحضنهم بين كفوفي، أتكلمت تاني.
_تفتكر لو رجعت أكتب تاني هقدر أعمل رواية أو كتاب أحطه جنب دول؟
عيوني وسعت بذهول وأنا برفع رأسي وببص في عيونها اللي مركزه عليا، أتكلمت بصوت بيترعش.
-أنتِ بتتكلمي بجد؟
_كانت حروفي حلوة ومميزة.
-يالله.
صرخت وأنا بحضنها بفرحة، دموعي نزلت كانت دموع فرحة منتظرها ليا سنة وشهر، منتظرها بفارغ الصبر، رفعت أيديها وضمتني لحضنها، حسيت برعشة جسمي، مش مصدق كأني في حلم، أتكلمت بصوتها الهادي وهي في حضني.
_أنا كمان حبيت جميل كان ليا ضلي.
الحياة غير عادلة والبشر مش ملايكة، بنتأذي منهم وهنتأذي، حتى لو أقرب الناس ليك، أنت في دنيا طبيعي أبتلائك يكون عظيم، لأن الجزاء الجنة، يمكن خسرت طفولتي وكنت هخسر شبابي بسبب الناس، بسبب تفكيري ووحدتي، لكن أكيد طالمًا الفرصة قدامي مش هخسر مستقبلي وباقي عمري، هم مقدروش يكونوا أهل بس أنا هكون لأولادي أهل وسند، خسرت إني أكسبهم لكني هكسب إني مخسرش ولادي وأتعلم من غلطهم، في الدنيا الناس دروس لبعضهم، كل إنسان بيدخل حياتك لإزم يسيب أثر، أما أثر طيب أو خبيث، وفي كل الأحوال هتتعلم منه، كلنا مرضى الحياة مش هتسيبك سوي، بس المريض أشد مرض هو اللي بينكر أنه مريض ومش بيحاول يتعالج، مش بيحاول يخرج روحه من زنزانتها، حابس نفسه في الماضي وطفولته القاسية وسايب الدنيا تنهار من حواليه، لو مقدرتش تساعد نفسك دور على حد يساعدك، متفضلش في عمق البير لوحدك.
-جهاد!
سمعت صوته، فقفلت الدفتر بتاعي، وشلته مكانه، هو اللي جابهولي وطلب مني أكتب، حتى لو مش هشاركه بس مراكمش جوايا مهمت حصل، خرجت من الأوضة وأنا برد عليه.
_أنا هنا ياحبيبي.
قرب مني بأبتسامة عمرها ما فارقته هو بيكلمني.
-ياعيون حبيبك، عامله إيه.
_تعبانة شوية.
حط أيده على بطني المنفوخة وأتكلم بحنية
-سلامتك من التعب ياعيوني، أكيد من البيه اللي مش راضي ينزل دا.
_هانت كلها شهر.
-الله يسهل عليكِ الشهر دا، تعالي أرتاحي طيب.
_هحط الغدا.
-أنا هحطه شوية بس مش جعان دلوقتي، تعالي أقعدي.
_حاضر.
سندني وقعدني وقعد قصادي، ثواني ولقيته بينام على رجلي، أبتسمت وبدأت أمسح على شعره بحب، مر خمس سنين من وقت زواجنا، سنة قضناها في المصحة، أغرب زواجة في الدنيا، وأربع سنين بيساعدني أتغير، بيساعدني أحب الحياة وأحب نفسي، حتى بابا أتغير وقعدته مع جدو زيد بهتت عليه، بقي زيه سامحته على كل حاجة، يمكن لو كان يقصد مكنتش سامحته، لكن هو كمان كان محتاج مساعده، أربع سنين وخايفة أكون أم، خايفة أبني يعيش اللي أنا عشته، الألم اللي زار قلبي متمناش يزور قلب أعدائي مش أبني نور عيني، بس هو قدر يطمني، أنا هكون أم بسببه، فوقت من سرحاني على صوته الهادي.
-طول ما أنا جنبك متبطليش كلام، بحب أسمع صوتك علشان أطمن.
_معنديش حكايات أقولها.
ضحك وهو بيرفع عيونه لعيوني وبيتكلم بحب.
-معقول بتاعة الحكايات معندهاش حكاية وحدة تحكيها لزوجها؟
_عندي حكاية أنت بطلها.
-مش قلتلك إني أنفع بطل لحكاياتك؟
ضحكت على أول ذكرى كانت بينا، حضن كف أيدي وأتكلم بحنان.
-كان يا مكان بطل حب أميرة كان بيراقبها من بين رفوف الكتب.
كملت وأنا بهمس زيه وببتسم بحب وحنين.
_وأميرة حبت بطل خرج من بين صفحات الكتب، خرج من حكاية علشان ياخدها من الواقع ويرجع بيها أرض الحكايات، أرض فيها سعادة وأمان.
-بطل الحكاية حب جميلة وكان ضلها.
طبع بوسة رقيقة على كف أيدي وضمني لحضنه، وأنا بردد بحب أن بطل الواقع أجمل من بطل أي حكاية.
تمت.

لقراءة باقي حلقات الرواية اضغط على : (رواية مراد وجهاد)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *