روايات

رواية عازف بنيران قلبي الفصل الخامس عشر 15 بقلم سيلا وليد

رواية عازف بنيران قلبي الفصل الخامس عشر 15 بقلم سيلا وليد

رواية عازف بنيران قلبي البارت الخامس عشر

رواية عازف بنيران قلبي الجزء الخامس عشر

عازف بنيران قلبي
عازف بنيران قلبي

رواية عازف بنيران قلبي الحلقة الخامسة عشر

أبتسمتُ بغرور، حينما سألني
ألم تعرفين ماذا فعلتِ بي؟!
منْ أنتِ، وماذا أقول عنكِ؟!
وقفت بشموخ واجابته:
إذا سألوك عني، قل لهم هي الفتاة الوحيدة التي أدمنتني وأنا كسرتها
لاتخف معذبي:
سأقدم إعتذار لقلبي،فقد أجهدته نبضا لمن لا يستحق
ثم وضعت يدي على صدري وهمست:
أمهلني قليلا ياقلبي، سأرتب حياتي من جديد وأعيده غريبا كما كان
❈-❈-❈
بغرفة ليلى بعد شهر ونصف الشهر من حديثه الأخير معها
حبست نفسها بغرفتها، وساءت حالتها، الآن أصبح جلادها الذي لا يعرف الرحمة كأنه يعاقبها على أختراقها لحصونه التي لا يعلم كيف انهار أمامها
خرجت للنافذة علها تستنشق بعض الهواء، الذي أحست أنه انسحب من غرفتها كما سلبت حياتها من بين يديها
جلست تستند ظهرها للمقعد وتتذكر حديثه ذاك اليوم
مفيش خروج من البيت إلا بإذني، متنسيش إنك حامل في ابننا
ضيقت عيناها مستفهمة
-يعني ايه، هتحبسني، اللي كان رابطني بيكوا خلاص مات
جذبها من رسغها بقوة وهو يهمس إليها بهسيس
-البيت دا مش هتخرجي منه غير في حالتين، وانت رايحة تولدي، والتاني لما تموتي، غير كدا مالكيش تخرجي منه سامعة ولا اسمعك بطريقتي
نزلت كلماته على قلبها كصاعقة، بل اشواك تخربش جدران قلبها المجروح، طالعته بذهول
-اكيد اتجننت مش كدا، وإن شاء الله هتمنعني بصفتك إيه
استدار متحركا ولم يجيب عليها حتى وصل لدى الباب واردف دون أن يعريها إهتمام
-تفتكري ممكن أسامح في حق اخويا اللي اتقتل لواحدة ذيك
هرولت حتى وقفت أمامه وهي تصيح بوجهه
-انت مش طبيعي ليه بتحملني موت أخوك
أمسك ذراعيها يعقدها خلف ظهرها وهمس بفحيح:
-عشان انتِ المسؤلة الأولى في موته، وعجز امي، وركض ابويا بين الحيا والموت، ودلوقتي لو سمعت صوتك هدفنك، أنا اللي مصبرني عليكِ ومستحمل أشوف وشك اللي أكتر وش بقيت اكره هو ابن اخويا اللي في بطنك
وضع كفيه على أحشائه وأكمل ماهشم قلبها
-حياتك قصاد حياته، هتحاولي تقتليه هدفنك حية، قسما عظما ادفنك حية
قالها ثم دفعها بقوة بعيدا عنه، يمسح يديه من ملامستها قائلا:
-اعملي حسابك بعد ولادتك هكتب عليكِ، ودا مش حبًا فيكِ، دا عشان ابن اخويا، لو عليا عايز اخلص منك، وادفنك في سابع أرض
استدار بجسده كله يتابع أثر كلماته على ملامحها، رسم إبتسامة انتصار عندما وجد تبدل ملامحها وشحوب وجهها
دنى إلى أن وصل أمامها واقترب يهمس بجوار اذنيها
“اهلا بيكِ في جحيم حبيبك مراتي المستقبلة”
ثم إستدار للخروج، لم تحتمل روحها اهانته ولا مزيد من الجروح التي احرقها بها، فتحدثت قائلة
-شكلك محتاج دكتور نفسي، حالتك صعبت عليا، توقف قبل خطوة لدى الباب حينما شعر بنيران تحرق اوردته من تلك المرأة وعنفوانها، استدار ووصل إليها بخطوة
-وماله اروح لدكتور نفسي معنديش مشكلة بعد مانتجوز ان شاءالله، عشان متأكد وقتها هتصاب بالجنون من واحدة مغرورة ذيك
قالها وهو يخترقها بنظراته
رفعت بصرها ونظرت بملامحها الشاحبة
-معرفش ليه مُصر توجعني كل ماتشوفني، دنت منه بخطواتها السلحفية وهتفت بصوتها الضعيف
-أنا مش هقعد في البيت دا ولا لحظة بعد ماتمر عدتي فيه، غير كدا أشرب من البحر ياحضرة المستشار، وعايزة أشوف هتتجوزني إزاي
ازداد الغضب بداخله من كلماتها، فجذبها من رسغها وهمس بصوتا غاضب حد الجحيم :
-أنا مش باخد رأيك، وأوعي تفكري هتجوزك جواز حق وحقيقي، لا إنسي انت هنا هتكوني زي مربية لأبن أخويا وبس
نزعت يديها التي ألمتها بسبب ضغطه القاسي عليها، وصرخت بصوتها الهزيل مع انسدال عبراتها
-مش هتجوزك ياراكان سمعتني، مستحيل اتجوزك، حتى عندي الموت افضل اني اكون مرات واحد مغرور زيك
شعور مقيت أصابه جعل دقات قلبه تتقاذف بين ضلوعه في حرب طاحنة تهلك أنفاسه وتحرق رئتيه دون رحمة من حديثها الذي شق قلبه لنصفين، اللعنة عليها وعلى قلبي الذي يضعف أمام دموعها
وقفت أمامه بجسد مرتجف حينما وجدت صمته، ونظراته النارية لها، فاستدارت متحركة من أمامه وهي تتحدث بصوت متقطع
-عايزة ارتاح، ممكن تخرج دلوقتي، وزي ماقولت لحضرتك انا هنا ضيفة لحد ماايام عدتي تخلص، وأن كان على ابنكم مستحيل احرمكم منه
أشعلت بجوفه عاصفة غضب هوجاء، أوشكت ان تقضي عليها حينما اقترب منها بهيئته الجنونية وجذبها من الخلف يضمها ويهمس بحوار اذنها
-احمدي ربنا ان ماما موصياني عليكِ، بحاول اتغاضى ومتعصبش عليكِ، بلاش تخليني افقد شوية الرحمة اللي لسة موجودين في قلبي ناحيتك
هزة عنيفة أصابت جسدها من اقترابه منها بهذا الشكل لأول مرة، ناهيك عن أنفاسه الحارة التي ضربت بشرتها، فجعلتها لم تقو على الوقوف، كأنه شعر بحالتها ولم يرحم ضعفها فدنى أكثر حتى أقسمت ان شفتيها لامست حجابها فأشعرتها بماس كهربي وهو يقول:
-من حظي الحلو ياليالي ومن حظك الزفت ان اللي مات سليم مش انا، ماأنا نسيت اقولك يامراتي المستقبلية، أنا اللي كنت مقصود، فجت في سليم، عارفة ليه ياليالي، عشان اخد حقي منك وحق أخويا
حاولت دفعه بكل قوتها عندما شعرت بجنونه، نعم هي أيقنت انه ليس على مايرام وخاصة قربه منها بتلك الطريقة
-ابعد عني إنت اتجننت، حاوطها بإمتلاك وأكمل-
-أخويا مات وهو بينادي عليك، أخر حاجة نطقها كانت إنتِ، وحضرتك بكل غرور وعنجيهة صدقتي نفسك وعملتي زعلة حتى من غير ماتتاكدي، اتصلت وقولتلك سليم عمل حادثة، رضيتي وقولتي إلعب غيرها
ضغط بقوة على خصرها وعبراتها تنسدل بقوة على وجنتيها ولم يرحمها فأكمل
-يبقى موتيه بغرورك ولا لا، إزاي المدام تسمع كلام راكان عدوها وتيجي تشوف أخوه، بس ملحوقة يامدام هعرف أخليكي إزاي تندمي على حاجة اقولها ومتتسمعش
قالها ثم دفعها بقوة بعيدًا عنه، وتحرك مغادر وهو يتحدث
-حافظي على الولد عشان دا اللي شفعلك عندي، واياكي ثم اياكي تخرجي من باب البيت دا دون علمي
شعرت بأن الأرض تدور بها، وكأنها داخل كابوس، دقائق وهي جالسة بمكانها، هزت رأسها رافضة حديثه، وجنونه الذي اوصلها لزرع بذرة الشك
-لا مستحيل اتجوزه، دا مستحيل يكون الراجل اللي اتمنيته في يوم من الأيام، أسرعت تهبط إليه
دلفت إلى مكتبه دون إستئذان وهو يقوم بعمله
– إيه اللي بيحصل دا
استجمعت شتات نفسها وقوتها وسارت بخطى ثابتة نحوه
وقفت أمامه ورفعت سبابتها
– انا مستحيل اوافق على المهزلة دي، سامعني اقتربت ونظرت له كقطة شرسة
– اللي يقرب مني يستاهل اللي يجراله
نصب عوده الفارغ واقترب بخطواته السُلحفيةالتي بعثت الرعب لقلبها وقال بجانب اذنها بصوت كحفيح افعى:
– خُفت أنا من تهديدك ولازم اتخبى مش كدا… ثم رجع بجسده للخلف، واضعا يديه بجيب بنطاله
-إحنا مش لسة متكلمين ونهيت الموضوع دا
أنا مستحيل أخلي ابن أخويا يتربى برة… ثم صوب نظرات شرزا لها
ولا مستحيل اضحي بوالدتي اللي عجزت بسبب موت إبنها
نفث تبغه ثم قوس فمه متحدثًا
-فيه معلومة نسيت أقولك، أنا هتجوز واحدة تانية وهعيش معاها، يعني متخافيش مني ولا كأنك موجودة
قبضة قوية اعتصرت فؤادها وهو يطالعها ببروده المستفز، واستدار يدور حولها يرمقها بنظراته المميتة
-وياريت ماتدخليش كدا تاني عليا، متنسيش نفسك
نظرت لداخل مقلتيه بتحدي ودّت لو تصل إليه وقبضت على عنقه
– خلصت كلامك ولا لسة فيه حاجة عايزة تقوليها.زي ماحضرتك شايفة عندي شغل
زفرت باختناق وظهر اليأس على ملامحها ورغم ذلك ناطحته بقوتها الواهنة
– احلم كويس وياريت تستغطى وانت بتحلم، قالتها بسخرية ناظرة لعيناه بقوة
صدى صوت ضحكاته التي لا تعبر عن شخصيته او ذلك الموقف، ثم رمقها بنظرة محاولا استكشاف ماتفكر به ورغم عدم وصوله لشيئا غير أن سواد عيناها الذي يشبه السماء في ليالي الشتاء القاسية تجذبه للنبض مرة أخرى
اتكأ بظهره على مقعده وأردف بهدوء
– انا مبحلمش يامدام قالها ناظرا بقوة إليها،ثم استطرد:
دي حقيقية وواقعية اكتر مما تخييلي،هنشوف كلام مين اللي هيمشي
فقدت قدرتها على الحركة أو الكلام بعد ثقته من كلماته القليلة معها في آخر فترة
شعرت بتمزق قلبها الى أشلاء عندما عجزت على المواجهة أمامه ، اغمضت عيناها بقهرها وعجزها فهي كقلعة على تلال من الرمال الواهية… لمن ستلجأ ورغم ذلك استدارت له
– هنشوف ياسيادة المستشار… واقع ولا خيال وخليك فاكر دا كويس، افتكر اني جيت وحذرت
وصل إليها سريعًا قبل مغادرتها وجذبها من رسغها ناظرا لمقلتيها بغضب جحيمي
-عيني عليكِ، لو شوفتك برة اوضتك، ولا حاولتي تضايقي امي، بلاش اقولك هعمل ايه، ومن دلوقتي انتِ خطيبتي وفي حكم مراتي فاهمة
نظرت إليه بنظرات نارية، وأصابتها رغبة عارمة في إحتراق صدره وتناول قلبه وتمزقه لأشلاء كما بعثر قلبها وروحها بكلماته واوامره وكره البائن على ملامحه
دفعته بلكمة بصدره واردفت
-هنشوف ياراكان يابنداري، هنشوف كلام مين اللي هيمشي، ملعون أبو اليوم اللي دخلت شركتكم فيه، قالتها وتحركت تصفع الباب خلفها حتى هز جدران المنزل
❈-❈-❈
خرجت من ذكراها وهي تنظر للحديقة التي أظلمت بظلام الشتاء كحياتها التي أظلمت بوفاة زوجها
أمسكت هاتفها وبدأت تتفحصه وتتذكر ذكرياتها مع زوجها، بسطت اناملها تكبر صورته التي بهاتفها، وتتحسسها، انسدلت عبراتها
-وحشتني قوي ياسليم، حقيقي وحشتني مكنتش أعرف هتبهدل كدا من بعدك، ظلت تملس بيديها على صورته ودموعها بالأنهيار وتتذكرت حديثه وشقاوته معها، شهقة خرجت من جوفها ولم تشعر بنفسها وهي تقول
-سليم لو قالولي نفسك في ايه تعوضيه، هقولهم نفسي أشوفك قدامي وانت بضمني وبطبطب عليا، عايزة اقولك أنا حبيتك، بجد حبيتك قوي، ومكنتش أعرف، ياريت الندم يفيد، عايزة أعرفك كنت غلطانة في حق نفسي لما فكرت في واحد زي أخوك، دا مستحيل يكون بني آدم، ياترى هو كدا وانا اللي مكنتش واخدة بالي ولا …اجهشت بالبكاء مرة اخرى
تنظر إلى السماء التي بدأت بصوت الرعد، وكأن السماء تبكي لبكائها، رجعت برأسها وبدأت تحدث نفسها
-غصب عني كل حاجة حصلتلي غصب عني، حاسة اني ضايعة ومش عارفة اعمل ايه، ابني اللي اتكتب عليه انه يجي للدنيا من غير أب، ولا اختي اللي القدر بيلطش فيها، ولا مرض ابويا وكل يوم عند دكتور، ولا الراجل الوحيد اللي فكرت نفسي حبيته، بقى أكبر ظالم وكل مايشوفني عايز يدبحني
اتجهت بنظرها لصورة زوجها مرة أخرى
-احكي لمين وجعي ياسليم، أنا تعبانة قوي ياسليم ومنهارة، مراتك ضعيفة وضايعة من غيرك، صدقني حبيبي ضعت من غيرك،
اندفع باب الغرفة ودلف منه يبحث عنها، كانت جالسة مغمضة العينين وصورة سليم مضاءة على هاتفها، وجد باب الشرفة مفتوح، اتجه إليها سريعًا عندما وجدها بتلك الحالة، ظنا أنها فقدت وعيها
وقف ينظر إليها بعينان تقطران ألما، وملامح يكسوها الحزن من تبدل حالها، فتحت عيناها حينما شعرت به من خلال رائحته التي استنشقتها، اعتدلت تجذب معطفها الصوفي على أكتافها ونظرت للبعيد ولم تحاكيه
أظلمت عيناه بنظرة جوفاء قاسية وتحدث
-ماأكلتيش ليه من الصبح، انتِ ناسية إنك حامل، وليه قاعدة في البرد
ظلت كما هي لم تعريه اهتمام، جذبها حتى اوقفها وسحبها للداخل، تحركت معه دون حديث، وكأنها فقدت الحياة
جلست على مخدعها ولم ترفع نظرها إليه، دلفت العاملة تحمل طعامها، أشار بعينيه للعاملة، ان تخرج ولكنه اوقفها
-فين اللبن، أنا مقولتش كل وجبة اللبن، هزت رأسها وخرجت سريعا لتلبي طلبه
جلس بمقابلتها يضع ساقًا فوق الأخرى
– خلصي أكلك يامدام، عندنا ميعاد مع الدكتورة النسائية، ظلت صامتة ولم تفعل شيئا، نهض من مكانه حينما وجدها تعاني بهذا الشكل الموجع، ألمًا مفرط اجتاح كل خلية بجسده، روحه تتمزق، عبراتها امامه تحولت إلى قطع قطع زجاج تشحذ صدره، أغمض على جفنيه واقترب من جلوسها
حاول يستعطفها كما أوصته والدته
-باشمهندسة لو سمحتِ اهتمي بأكلك متنسيش إنك حامل، جلس بجوارها على الفراش، يدقق النظر لملامحها الباهتة التي التي أكثرت شحوبها وهمس يستعطفها
-ليلى أمي بقت قعيدة، واملها كبير في اللي بطنك، يعني الولد مقابل حياة أمي، عارف قسيت عليكِ، بس دا ميمنعش إنك متسرعة ومبتحكيش عقلك في قرارتك
حركت شفتيها الجافتين بنبرة يبدو عليها الندم فرفعت بصرها إليه:
-انا عملتلك ايه عشان أستاهل كدا، أنا ماليش دعوة باللي حصل، عارفة اني غلطت بس مكنتش أعرف، قولتلك خليت والدتك تتصل وقالت انكوا في المزرعة ..اطبقت على جفنيها وأكملت :
-أنا مكنتش أعرف كل دا هيحصل، أنا كنت مجروحة، واحدة جوزها خانها في أول شهور جواز، كنت مستني مني إيه، ليه دايما بتحملني كل حاجة،
زفر بحزن مما وصلت إليه الأمور بينهما، فنهض ينظر للطعام، يحبس أنفاسه داخل صدره ثم تحدث:
-خلاص مش هنتكلم في اللي فات دلوقتي لازم تهتمي بنفسك، أكلك مش تاكليه غير من ايد مها اللي جبتلك الأكل دلوقتي، ممنوع تخرجي من باب الأوضة دي وأنا مش موجود
نظرت إليه والدمع يترقرق من عينها
-انا مش عايزة اقعد هنا، كدا كدا هرجع بيت ابويا، فبلاش أسلوب الجبروت بتاعك دا، الجواز مش بالغصب
اكتفى بتنهيدة مرتجفة افلتت من بين شفتيه فلم يجد كلمات تعبر عن غضبه سوى أن ينزل بجسده ينظر لمقلتيها بغروره
-مفيش خروج من البيت دا يامدام، مش مستعد اموت امي عشان واحدة كرهتني في نفسي أنا شخصيًا، قالها وتحرك مغادر سريعا حينما جذبته بعيناها السوداء الساحرة، بخطوات ظاهرها ثابت ولكنها متعثرة ضعف قلبه الذي فرض سيطرته بالكامل من قربها، وحجر ثقيل يطبق على صدره كلما تذكر أنها ماهي إلا أرملة أخيه
وصل لغرفة والدته يطرق على باباها، ثم دلف إليها
-مساء الورد يازوزو، رفع كفيها يقبلها وجلس أمامها
-إيه يازوزو عجبك قعدتك على الكرسي دا، ياله ياماما، عايز ارجع اشوفك واقفة على رجليكي من تاني
رفعت كفيها تمسد على خصلاته وأردفت:
-أنا كويسة ياحبيبي طول ماأنت واختك كويسين، اكتسى الحزن ملامحها حينما تذكرت فلذة كبدها فهمست بصوتًا متقطع:
-مراتك عاملة ايه، إيه اخبار اللي في بطنها
جحظت عيناه بصدمة وأردف:
-مراتي!! إيه يازوزو ماانتِ عارفة أنا وحلا اطلقنا من زمان، وهي سافرت امريكا، وبعدين مش دا كان شرطك اني ابعد عنها عشان ترضي عليا وأكون راكان ابنك اللي ربتيه
ملست على وجهه ثم رفعت ذقنه ونظرت لمقلتيه
-أنا مقصدش حلا ياراكان، أنا قصدي ليلى !!
ذُهل من حديثها فنظر إليها بشفتين فاغرتين مصعوقًا وكأن ماقالته أدمى قلبه فشطره نصفين، ظلت تمسد على خصلاته بكفيها مردفة:
-انت قولتلي اطلبِ وأنا عليا أنفذ، وأنا مش عايزة منك غير كدا، إن ليلى متخرجش من البيت دا، لاني بشم ريحة ابني فيها
أطبق على جفنية بقوةحتى شعر بتمزق عيناه
فهمس بأنفاسًا ثقيلة مرتجفة:
-كلمتها ياماما، عرفتها أنها هتفضل معانا، وطلبت منها الجواز
هزت رأسها منتظرة تكملة حديثه، صمت لثواني يقاوم صرخة عبأت صدره حينما تذكر حديثها بأنها تتمنى الموت ولا الجواز منه
قاطعت شروده زينب
-قالتلك إيه ياحبيبي؟!
حمحم ناهضا من مكانه يواليها ظهره، فأردف
-مش موافقة، عايزة تروح بعد العدة، وطبعا باقي شهر وهتمشي من هنا
بحثت على هاتفها، فقالت
-انا هروحلها، هتصل بسلين توديني عندها
أوقفها راكان قائلا بهدوء:
-سبيها دلوقتي ياماما بلاش نضغط عليها، أنا حجزتلها عند الدكتورة، هنروح نطمن على البيبي، وبعد كدا ربنا يحلها من عنده
صاح على الممرضة. خليكِ جنبها اياكِ تبعدي عنها لحظة، لحد مالباشمهندسة تيجي
قبل رأس والدته متجها للخارج، ولكنه تسمر بوقفته عندما استمع لكلماتها
-مردتش عليا يعني ياحضرة النايب، لما سألتك وقولتلك إيه رأيك في ليلى كزوجة
ظل للحظات مواليها ظهره ورغم ذلك شعر بإنسحاب أنفاسه، وكأن والدته تضغط فوق جرحه المتقيح فاستدار ببطئ ينظر إليها ثم أجابها
-زيها زي أي ست، وهي في الأول والآخر مرات اخويا، وأم ابنه، وزي مااتفقت مع حضرتك، الجواز ماهو إلا امان للولد وبس ياماما، بلاش تفكري في حاجات مش هتحصل
طالعته بهدوء وهزت رأسها رافضة
-ليلى أرملة أخوك مش مراته ياراكان، وانت زيك زي سليم الله يرحمه، اوعى تفكرني عبيطة يابني مبفهمش، لا دا أنا افهمك من نظرة عينك
نظر للممرضة التي تقف تستمع لحديثهما، وأشار إليها بالخروج ثم اتجه للوالدته
-عايزة توصلي لأيه ياماما، ممكن متخيبيش ذكائي وتقولي من الآخر عايزة توصلي لأيه
دققت النظر بمقلتيه وأشارت لقلبه
-عايزة أوصل لقلبك يابني، ليه بتهرب منه
ليه مش عايز تدي نفسك فرصة إنك تعيش مع اللي اختارها قلبك، مش ليلى دي حبيبتك اللي جيت وحكتلي عنها في يوم من الأيام
هزة عنيفة أصابت جسده حتى شعر بدوران الأرض تحت قدميه، هرب بنظره من والدته وهو يهز رأسه رافضا حديثها وتحدث بصوتًا متقطع
-ايه اللي بتقوليه دا ياماما، ليلى دي مرات سليم وحبيبته،نسيتي ولا إيه
تحركت بالمقعد حيث وقوفه وأردفت
-مش دي المهندسة اللي جيت تقولي عليها قبل مااخوك يخطبها بأسبوع، واتفقت معايا نروح نزورها، وبعد كدا حالك اتشقلب وقولتلي إنك نسيت الموضوع ودا بسبب ان أخوك اتجوزها
هز رأسه كالمجنون رافضًا حديثها وترقرقت عيناه بالدموع:
-لا مش هي، مين اللي قلك كدا، دي واحدة تانية واختلفنا
جذبته من كفيه حتى هوى على المقعد أمامها
-لا هي ياحضرة النايب، هي البنت اللي كنت بتحكي عليها وعيونك كلها سعادة، ثم وضعت كفيها على صدره
-هي البنت اللي خلت قلب راكان البنداري يدق ويضعف، ويشوف السعادة، وفي اللحظة كل حاجة انطفت ورجع زي الأول
-“ماما” همس بها راكان مع انزلاق عبرة خائنة من جفنيه، اقتربت بجسدها تزيل دموعه، فانسدلت عبراتها
-ليه ياحبيبي، ليه تعمل في نفسك كدا، الفرصة جاتلك لحد عندك ، ليه عايز تكسرها، والله يابني ماكنت اعرف، ولا اخدت في بالي، مستحيل أسيبك تعيش الوجع دا ياحبيبي
رفعت كفيه تقبله ونظرت لداخل عينيه
-اوعى تفكر أني كنت هفرق بينك وبين أخوك ياحبيبي، عمري ماكنت اعملها، بس زعلت عليك ياراكان، نهض سريعا يمسح عبراته قائلا بصوت مرتجف:
-غلطانة ياماما، مش دي البنت اللي قولت عليها، وعلى فكرة أنا كنت هخطب البنت اللي كلمتك عليها، بس جه موت سليم وقف كل حاجة، وأن شاء الله ناوي بعد ماتعدي سنويته اروح اخطبها مش دا اللي حضرتك عايزاه، عايزة أكون عيلة
تنهدت بوجع تطالعه، ثم هزت رأسها وسألته
-وليلى يابني، ترضها لسيلين أختك، أستدار يطالعها :
ليلى مستحيل يربطنا ببعض حاجة، وزي ماحضرتك قولتي، ريحة أخويا فيها، غير أنا بحب واحدة تاتية
وياترى مين البنت دي اللي حضرتك عايز تتجوزها، قالتها زينب غاضبة
أجابها سريعا دون تفكير:
-نورسين النمساوي ياماما، بقالنا أكتر من سنة على علاقة والصراحة شايف نفسي معاها
هزت رأسها واجابته:
-ملقتش غير بنت النمساوي ياراكان، طيب ياحبيبي، ربنا يسعدك..خرج سريعا وترك والدته خلفه تنظر إليه بحزن
دلف غرفته كالثور الهائج وبدأ يحطم كل مايقابله
-ليه بيحصل معايا كدا، هو لدرجة دي أنا ملعون
آآه قالها وهو يكز بأسنانه على قبضته المتكورة
حاول أن يتنفس فحديث والدته عراه أمام نفسه، ماذا عليه يفعل آلان، هل سيفعل ماقاله، ويذهب لتلك الشمطاء الذي جنت عليه
تذكر حديثه معها آخر مرة بإحدى الحفلات
دلف للحفل بجوار حمزة ونوح متجها إلى أحد رجال الأعمال المشهور بالبلد، أسرعت إليهم تلوح بيديها ثم توقفت أمامه تضمه
-راكي فينك مش باين، حتى الشغل خطفك مننا ومعنتش بتيجي الشركة
سحبها من ذراعيها متجها بها للخارج وصل لمكان هادئ وتوقف أمامها يرمقها بنظراته النارية
-كويس اني شوفتك هنا، كنت هروحلك مخصوص، اقتربت تحاوط عنقه مردفة
-إيه وحشتك ولا إيه..ضغط على ذراعيه بقوة وهو يناظرها بغضب جحيمي
-لا كنت عايز اطمن على ابننا مش إنتِ حامل برضو ولا إيه
هزة عنيفة أصابت جسدها حتى تمنت أن الأرض تنشق وتبتلعها، حاولت الحديث ولكنها لم تستطع فارتبكت قائلة
-مش فاهمة قصدك، حمل إيه ياراكي
دنى يحاوطها من خصرها وابتسامة شيطانية رسمها على ثغره
-أيوة مش دا كلامك للنجوى برضو، دا حتى لسة قايلة أكتر من كدا، ضغط حتى صرخت من الألم
-راكان أيدي بتوجعني، جز على أسنانه وتحدث بنيران تخرج من عينيه
-عشان جيت سهرت عندك ليلة يبقى خلاص عملنا علاقة ولا كمان حامل، اتجننتي يابت، دا ادوسك بجزمتي، مين دي اللي تقدر تقرب مني من غير إذن، ويوم ماأفكر أعمل علاقة أعملها مع واحدة عديمة الشرف
نزعت يديها بغضب منه وصاحت بغضب
-هو في ايه لدا كله، كنت عايز مني إيه، وأنا شيفاك هتاكلها بعينك، اوعى تفكرني هبلة ومعرفش غرامك بمرات أخوك ياحضرة النايب، وخايف حد يعرف بعلاقتك معاها
صفعة قوية بظهر كفيه على وجهها ، ثم ضغط على فكيها وكاد ان يحطمه
-اتجننتي بتغلطي في شرف مرات اخويا ياحقيرة، ومع مين معايا، دا جذمتها فوق دماغك يابت، قالها ثم دفعها بقوة اسقطها أرضًا
يشير عليها بإحتقار
-شوف مين بيتكلم عن الشرف، دا انتِ رميتي نفسك عليا، ومستنضفتش أقرب منك حتى
نهضت تحتضن كفيه
-راكان أنا قولت كدا عشان بحبك، خفت انك تبعد عني وتروحلها، صدقني قولت كدا عشان بقيت مجنونة بيك
رمقها بإستخفاف ثم تحدث
-لو شفتك قدامي صدفة هموتك، قالها وتحرك من أمامها، خرج من شروده عندما استمع لرنين هاتفه
❈-❈-❈
عند نوح وأسما
جذب يدها متحركًا وهو يتحدث بغضب
-وبعدهالك ياأسما هنفضل طول حياتنا نتكلم عن راكان وليلى، توقفت تحاوط خصره
-نوح حبيبي عشان خاطري، لازم تكلمه يخف عليها شوية، دا محملها موت سليم، وحياتي يانوح كل مااتخيل أنها بتتعذب بسبب حبيبها بزعل
رفعت رأسها من حضنه وأردفت بصوت حزين
-انت متخيل إن فيه واحد بيحب واحدة ويعذبها، ضم وجهها بين راحتيه وأردف:
-حبيبتي راكان بيحب ليلى فوق ماتتخيلي، محدش عارفه قدي، وعارف قد إيه اتعذب، مستحيل يأذيها، دا روحه فيها، اللي كان باعده عنها أخوه عشان كدا كان بيحارب قلبه ونفسه، ودلوقتي مفيش سليم يعني ربنا رحمه، وقاله حبيبتك رجعتهالك اهو، تفتكري ممكن يفرط فيها
قاطعهم صوت خلفهم ؛
-دي اللي سبت عيلتك كلها عشانها، دي اللي بعت شركات والدك ومستشفياته عشانها
ابتسم بسخرية، عندما وجدها بثيابها التي تنتقيها بعناية من أشهر مصممين الأزياء المشهورة
وزينتها رغم إنها بسيطة إلا أنها من أغلى الماركات، اقترب منها يطالعها بهدوء:
-مرحبًا انسه راندا، مش حضرتك أنسة برضو على حد علمي للنهاردة …اقتربت ترمقه بنظرات نارية :
-نوح تعرف إحنا بقالنا قد إيه متجوزين وحضرتك سايب البيت عشان البت دي
امسكها من رسغها بغضب، وصاح بعيونًا مشتعلة
-دي مراتي، وقبل ماتكون مراتي، هي حبيبتي وروحي اللي مقدرش أستغنى عنها، ودلوقتي أمشي من هنا واياكِ تيجي المكان دا تاني من غير إذن صاحبته
توسعت عين أسما من رد نوح القاسي، وحديثه مع راندا فضغطت على كفيه تطالع التي ظهر على ملامحها نيران الغضب فتحدثت قائلة
-اهلا بحضرتك، أنا مكنتش أعرف إنتِ مين
رمقتها راندا بإستعلاء قائلة :
-انا واحدة تحمدي ربنا إنك في يوم وقفتي قدامها واتكلمتِ معاها، أشارت بيديها على أسما بسخرية :
-بقى دي روحك، دي اللي تسيبني عشانها، تمام يادكتور مبقاش راندا الدميري اللي مادفعتك تمن كلامك غالي قوي
قالتها واستدارت تتحرك بكبرياء وكأنها لم تغضب ولم تثور
رفعت أسما نظرها إلى نوح وترقرق الدمع بعيناها :
-نوح دي ناوية على إيه ممكن تقول لوالدك
حاوطها بذراعيه مقبلًا جبينها
-تقول اللي تقوله، هو أنا خايف منها دي واحدة فاضية مالهاش لازمة، معرفش ازاي كنت مجنون وكملت في الجوازة دي
احتضن وجهها بين راحتيه، ينظر في عيناها البندقية التي تشبه لون القهوة قائلًا
-حبيبتي ولا كأنها جتلك هنا، أسما انت بس اللي مراتي، ودا أنا عرفتهولها قبل مااجي اكتب عليكِ ،اياكِ ثم إياكِ، تخليها تهدم حياتنا، أنا بحسب بفارغ الصبر لليوم اللي أقدر اوشمك بحبي، بلاش تفقدي الثقة في جوزك
نظر حوله ثم أمال يحتضن ثغرها بين خاصتيه، فاصلا قبلته بغمزة من عينيه قائلا :
-أنا شايف انك بترتبي لجواز مصر كلها حبيبي، أيه مش ناوية ترحمي حبيبك شوية
ابتسمت بخجل توضع رأسها بصدره قائلة:
-نوح بس بقى هزعل منك والله
سحبها من كفيها ودلف للداخل وهو يردف
-لا والله ابدًا كدا كتير على قلبي، دا إنتِ عايزة واحد عاقل بارد ثلاثي الأضلاع والميزة دي مش عندي خالص
رغم وجعها الذي شعرت به منذ ذهاب راندا، إلا أنها ابتسمت له وتحركت لمنزله
دلف للداخل ينادي على العاملة:
-سيدة، تعالي..وصلت العاملة إليه سريعًا
-نعم يادكتور، حاوط خصر أسما وتحدث:
-عاملة غدا ايه النهاردة، ابتسمت له العاملة قائلة
-هو يعني حضرتك، قالتها وهي تفرك بيديها وتنظر لأسما التي أجابته:
-انا اللي طبخت النهاردة يانوح، عاملة فراخ مشوية، ومحشي ورق عنب
ضيق عيناه متسائلا :
-فراخ ومحشي، لا دا حبيبي متوصي بجوزه، وناسي اني عريس ولا إيه
توردت وجنتيها وسحبت نظرها من أمام عيناه، تنظر لسيدة قائلة:
-روحي إنتِ ياسيدة وأنا هحط الأكل للدكتور
خرجت العاملة، سحبها نوح من خصرها لأحضانه
-ينفع عريس ياكل محشي وورق عنب ليلة دخلته برضو، فين السي فود والحمام، والكوارع، والحاجات اللي بنسمع عنها دي
لكمته بصدره
-نوح اتأدب، هو أنا قولتلك الليلة ليلة دخلتنا، قاطعهم رنين هاتفه، سحبها وجلس ضامما إياها لأحضانه:
-ايوة يالولا، عاملة إيه ياباشمهندسة
اجابته ليلى على الجانب الآخر
–نوح بابا هيروح يغسل كلى بكرة، كنت تعرف ومخبي عليا، تنهد نوح يمسح على خصلاته متسائلا :
-مين اللي قالك كدا، صرخت ببكاء:
-بابا عنده فشل كلوي يانوح ومخبي عليا، طيب ليه، ليه تخبي عليا موضوع مهم زي دا
اعتدل بجلوسه قائلا :
-ليلى حبيبتي أنا عرفت بالصدفة، وولدتك حلفتني مقولش لحد، عشان ظروف حملك وكمان متنسيش جوزك لسة ميت بقاله كام شهر
أزالت عبراتها وتحدثت بجديه:
-نوح تعالى فورا، عايزة أروح اشوف بابا، والتنين صاحبك عامل كردون عليا، بس هو مفكر نفسه مين، والله لو مخرجنيش دلوقتي اشوف بابا لولعله في القصر البارد بتاعه دا
أطبق على جفنيه، ثم أخرج تنهيدة حارةونظر لأسما قائلا :
-أجهزي، الحق التنين والتنينة دي، أنا عارف الليلة مضروبة والله
لكزته أسما بكتفه قائلة:
-والله انت رخم ياعني هتموت من العياط وعايزة تشوف ابوها وانت بتهزر
احتضن وجهها واردف:
-حبيبتي ليلى جوزها ميت بقاله أكتر تلات شهور لسة، يعني قدامها شوية عشان تخرج من البيت، ودا اللي باباها فهمهله، معرفش اهم حاجة تتخانق مع راكان وبس
اومأت برأسها متفهمة وقالت:
-حاول تضغط على راكان يانوح، ممكن يسمع منك، ارتدى جاكتيه واتجه بنظره إليها يضع شالها فوق كتفيها
-راكان هيتجوز ليلى ياأسما، رفعت نظرها بذهول إليه
-قول والله، راكان هيتجوز ليلى، طيب كويس اوي واخيرا هتجوز الشخص اللي حبته، ثم صمتت ونظرت إليه، تفتكر بعد اللي قولتهولها هي هتوافق
سحب كفيها متجها لسيارته:
-هي رافضة طبعًا لأن التنين على رأيها مفهمها هيتجوزها عشان ابن سليم، وعايز ينتقم منها
توقفت تنظر إليه متسائلة:
-يعني إيه، يعني راكان عايز ليلى عشان الولد بس..استقل السيارة وقام بتشغيل المحرك
-صدقيني راكان كل شوية له قرار أصعب من اللي قابله، لسة قافل معايا وانتِ في المطبخ وبيقولي هخطب نورسين بعد سنوية سليم
مسح على وجهه وهو يفكر في شيئا ثم ابتسم
-بس على مين، مش هو عامل استاذ ورئيس قسم، أنا هلعب معاه على اني طالب غبي
ضيقت عيناها متسائلة
-تقصد إيه بكلامك؟! رفع كفيها يقبله، ثم غمز بعينيه
-ماتيجي نلعب انا وانتِ لعبة ياأسوم
رجعت برأسها تهزها وتصفع يديها ببعضهما
-بجد مش معقول يانوح، إحنا في إيه وانت في أيه
جذبها يخطف قبلة سريعة على شفتيها ثم تحدث
-اسمعي هقولك ايه وتعمليه مع التنينة الصغيرة
قهقهت على حديثه قائلة
-فهمتك يادكتور نلعب منلعبش ليه، رفع هاتفه وقام الأتصال بأحدهما
❈-❈-❈في منزل عاصم المحجوب
تجلس بغرفتها تقوم بتصميم بعض المشروعات المطلوبة منها استمعت لرنين هاتفها، رفعته ثم ابتسمت ووضعته على اذنها قائلة
-مساء الخير…على الجانب الآخر يقف أمام منزلها ينظر لشرفتها
-اطلعي البلكونة ونزلي السبت معايا حاجتين عايزك تاخديهم، أسرعت تنظر من خلف الستارة، وجدت سيارته مصفوفة بمقابلة منزلها
ولكن قاطعها حينما أردف
-شعرك باين من ورا الستارة ياباشمهندسة
تراجعت بخطواتها قائلة :
-حضرتك اللي مدقق زيادة عن اللزوم، المهم إيه اللي معاك
-نزلي حاجة، وانتِ تعرفي، ارتدت اسدالها واردفت
-انا هنزل اخدهم، اطلق تنهيدة وهمس
-ياريت..شعرت بخفقات قلبها تنبض بعنف بقفصها الصدري فأجابته:
-خمس دقايق وأكون عندك، قالتها وخرجت لوالدتها التي تجلس على سجادتها تقرأ بمصحفها بدموع الحزن والوجع بآن واحد
-ماما هنزل تحت خمس دقايق، أستاذ حمزة معاه حاجة مهمة ليلى بعتاها ينفع أنزل
رفعت بصرها بعدما صدقت بقرأتها
-وليه مطلعش يابنتي، مينفعش تنزلي وتوقفي معاه لوحدكم افرض حد شافكم يقول إيه
اقتربت من والدتها تدقق النظر
-ماما إنتِ كنتي بتعيطي؟! طيب ليه؟!
أزالت دموعها وهي تهز رأسها قائلة:
-لا ياحبيبتي، ليلى وحشتني قوي، وتأثرت وأنا بقرأ القرآن، اتصلي بيه قوليله يطلع، مينفعش تنزلي
أومأت برأسها وتحركت لغرفتها تهاتفه
-آسفة ماما رافضة انزل، لو مش هتعب حضرتك ممكن تطلع
ترجل من سيارته وهو يحادثها وعيناه على غرفتها
-لو هشوفك أطلع حتى لو على سطح القمر
سرت بجسدها قشعريرة لذيذة إثر حديثه، فرفرف قلبها من السعادة، كالفراشة وأجابته بخجل
-مستنياك، تحرك للمصعد وهو يتنهد قائلا
-هديلك ورق بلاش مامتك تشوفه، وفيه صندوق صغير دا هدية مني للورق اللي هتشوفيه، تمام
ابتسمت بسعادة واجابته بحبور:
-شكرا، شكلي عرفت الورق فيه ايه، استمعت لرنين الجرس فاسرعت تقابله، فتحت الباب ومازالت تحادثه على الهاتف، أغلق هاتفه ينظر إليها بإشتياق:
-أسبوع كتير على فكرة، بس هعديها، نزلت ببصرها للأسفل تخجل من نظراته، وصلت والدتها
-اتفضل يابني واقف كدا ليه، دلف ملقيا السلام ثم بسط يديه بصندوق لدرة
-دا باعتته ليلى، وهتيجي بكرة ان شاءالله مع راكان، وآسف غلطت قدامها وعرفت أن باباها بيغسل كلى
استدارت درة لوالدتها تنتظر حديثها
-ولا يهمك يابني، هي كدا كدا كانت هتعرف
صمت حمزة للحظات ثم تحمحم مجليا صوته فتسائل
-ممكن أعرف الأستاذ عاصم صاحي ولا نايم
تحركت تشير إليه لداخل
-ادخل اشرب قهوة ونتكلم، هز رأسه رافضا
-آسف عندي ميعاد مهم، كنت عايز اشوفه
اجابته:
خرج هو آسر معرفش نوح طلبه، ممكن يكون عايزه في حاجة مهمة
-خلاص هشوفه في يوم تاني
-ان شاءالله لما يجي هخليه يكلمك
أومأ رأسه متفهما ثم ودعهم وخرج، دلفت لغرفتها وأغلقت بابها وجلست على فراشها، تفتح الصندوق وجدت به الكثير من أنواع الشيكولاتة المختلفة وبجانبها مظروف به رائحته وبداخله “مبروك” عقبال لما تتنقلي على أسمي
أمسكت الورق التي توضع بالمظروف الأخر ويوجد بها خلاصها من ماضي اسود كُتب عليها ورقة طلاقها
وضعتها بجوارها، وأمسكت تلك القصاصة من الورق التي بها عطره تستنشقه ثم تسطحت على مخدعها وهي تبتسم بسعادة من تلك الاحاسيس التي تجتاحها لأول نرة
عند ليلى جلست تنتظر نوح، دلفت العاملة تنظر لطعامها
-حضرتك ماأكلتيش حاجة ياهانم، رفعت رأسها بوهن تشعر بصداع يفتك بها تتسائل
-سيلين فين؟! جت ولا لسة من برة؟!
الباشمهندسة تحت مع الباشا بيتعشوا
أومأت برأسها وتحدثت قائلة :
-شيلي الأكل ماليش نفس، وابعتيلي سيلين
-بس الباشا هيزعق ياهانم، حضرتك مش تايهة عنه
رمقتها بنظرة نارية رغم ضعفها قائلة:
-قولي للباشا بتاعك الأكل مش بالعافية،
تحركت العاملة للخارج، شعرت بغثيان بعدتها استندت على الحائط متجه لمرحاضها، قامت بخلع حجابها الذي يلازمها معظم الوقت بسبب استخدامه اسلوب الهمجية التي وصفته به
ظلت تتقيأ ما بداخل معدتها حتى ضعفت وأصبحت هشة فنزلت بساقيها على أرضية المرحاض، لقد فقدت قدرتها تماما، وشعرت بسحابة سوداء تضرب جسدها، دلف لغرفتها كالمجنون يبحث بعيناه عنها، لم يجدها، دلفت خلفه سيلين وهي تتحدث:
-لو سمحت ياآبيه بلاش تزعلها عشان خاطري، صرخ بسيلين
-دي عايزة تموت اللي في بطنها، اطلعي يامدام إنتِ فين
لم يتلقى ردا، شعر بألمًا يغزو قلبه، فاتجه بنظره إلى سيلين
-شوفيها في الحمام كدا، هرولت سيلين عندما استمعت لهمهمات ليلى، صرخت تناديه عندما وجدت رأسها توضع على حافة الحوض كأنها مغشيا عليها
أسرع راكان بأتجاهها، ارتعدت أوصاله ودب الرعب به حينما وجدها بتلك الحالة، ثنى جسده يرفعها من فوق الأرضية، همست له بإعياء:
-عايزة أرجع ابعد عني، اتجهت سيلين إليها تمسح على وجهها بالماء وجذبت المنشفة تجفف وجهها الذي يغزوه العرق
جلس راكان خلفها حينما نزلت برأسها مرة أخرى وبدأت تتقيأ وآلام جسدها تضربها بقوة، حتى شعرت بالبرودة تتسرب لجسدها، فتح صنبور المياه وبدأ يغسل وجهها قائلا:
-ليلى اهدي، اضغطي على نفسك متسبيش نفسك لكدا
مسح بالمياه مرة آخرى يمسح وجهها وفمها، ثقلت برأسها عليه، مش قادرة، جسمي بيرتعش، قالتها ورأسها بأحضانه، فحملها متجها للخارج، وهو يضغط على نفسه من رائحتها الذي تسربت لأعماقه بالكامل، أيعقل أن هذا الألم يشطره لهذه الدرجة
كان جسدها يرتعش كالذي أصابه حمى، قام بمهاتفة الطبيبة المتابعة لحالتها
جلست سيلين بجوارها وقامت بدثرها جيدًا بالغطاء متحدثة:
-ليلى اجبلك حاجة، أغمضت عيناها
-اطفي النور عايزة أنام بس، كان يقف بعيدا يتابع حركاتها، يحاول السيطرة على نفسه حتى لا يصل إليها بخطوة ويضمها لأحضانه علها تشعر بالراحة،
همست إلى سيلين قائلة
-تعبانة قوي حاسة مش قادرة أخد نفسي ، هنا احس بإنقباض شديد في قلبه كاد يمزقه من الألم، تحرك للخارج استغرق بضع دقائق ثم عاد يحمل سرفيس يوضع به كوبًا من الحليب وبعض السندوتشات، طرق الباب لأول مرة ثم دلف بعض لحظات
وجد سيلين مازالت بجوارها تمسد على خصلاتها، وضع الطعام أمامها
-لازم تاكل ياسلين، كدا هتموت وتموت اللي في بطنها، ربتت سيلين على كتفه
-راكان انت مش شايف حالتها عاملة إزاي لو اكلت هترجع
سحب سيلين من كفيها وجلس على الفراش كانت تغط بنومًا عميق كأنها تغفو منذ ساعات وليست دقائق معدودة
نزل بجسده يهمس بجوار أذنيها
-ليلى قومي عشان تاكلي، وصلت والدته بمساعدة الممرضة، وجدته بهذا القرب، شهقة خرجت من فمها مع عبور دمعة على خديها، حينما تخيلته إبنها الراحل
-“ماما” قالتها سيلين، استدار راكان ينظر لوالدته، وشعر بالأرتباك من نظراتها التي تخترقه، فتحدث قائلا:
-بحاول أصحيها تاكل، من الصبح مااكلتش، وكان المفروض نروح للدكتورة وهي تعبت زي ماحضرتك شوفتي
تحركت إلى أن وصلت إليها بمقعدها
-ليلى قومي يابنتي، لازم تاكلي، قومي كلي أي حاجة…فتحت جفنيها بوهن وأردفت بصوتًا ضعيف:
-مش قادرة، عايزة أرجع بس، نظرت إلى سيلين
-ممكن تسنديني أروح الحمام، جن جنونه من حالتها فاقترب منها يميل بجسده مستندا بمرفقيه أمامها
-هتفضلي تعاندي لحد إمتى خافي على اللي في بطنك، ودلوقتي مفيش ترجيع وهتاكلي
راكان صرخت به والدته:
-مش المفروض تروح لباباك عشان هيخرج من المستشفى النهاردة، قالتها زينب حينما وجدت نظرات ليلى الخائفة منه وهي ترجع بجسدها للخلف
حاول التماسك فأسبل جفنيه وتحدث:
-بابا ميعاده بكرة ياماما، ونوح جاي في الطريق المدام رايحة شكياني له، وعلى العموم انا خارج ولما ارجع الاقي الأكل بتاعها اكلته، والأدوية اخدتها، الدكتورة هتيجي تشوفها، بدل إحنا ماروحناش
قالها وتحرك للخارج بخطوات تأكل الأرض كالنيران تأكل سنابل القمح

هبط للأسفل قابله نوح وأسما، تو قفت أسما متسائلة:
-ليلى فوق..هز رأسه وهو يبعد نظره بعيدا، كان وجهه عبارة عن الغضب والألم، سحبه نوح متجها للأريكة:
-مالك عامل زي التنين على رأي ليلى
مسح على وجهه بغضب، وابتسم بحزن يمسح دمعة عالقة بين أهدابه الكثيفة متمسكا بسيطرته
-كدا كتير قوي عليا خالص قوتي بدأت تضعف، مش عارف الاقيها منين ولا منين
أخذ نفسًا ثقيلا ثم زفره بنيران غضبه وألمه
-كل ليلة بحلم بسليم بيعاتبني معرفش ليه، استدار إلى نوح متسائلا:
-تفتكر عشان قررت اتجوزها، ولا عشان اللي قتلوه لسة احرار
تنهد بألما شديد وكأنه يحارب نصل سكين حاد مغروس في صدره ثم أردف بخفوت:
– ولا عشان كنت بحب مراته، تفتكر سليم حس بحاجة، أنا بقيت اكره نفسي بطريقة قذرة قوي ياخي، واحد أخوه لسة مكملش خمس شهور وراح لمراته يهددها بجوازه
ربت نوح على ظهره
-كل اللي بتحس بيه دا عشان عايز تهرب من حب ليلى اللي محاصرك ياراكان، قسوتك معاها، واحلامك بسليم دا يأكدلك إنك خايف تقرب يقولوا عليك خنت أخوك، ودا مش صح
ساد صمتنا مختنق بنيران قلبه ثم أستدار بوجهه
-أنا حرمتها على نفسي مستحيل أنا وهي نكون مع بعض، مستحيل أنسى إنها كسرتني في يوم الأيام، مستحيل أنسى أنها وصلتني للحظة كرهت أخويا فيها، جوازي منها عشان الولد وبس، هي مش بتعنيلي حاجة ابدا
فتح نوح فمه للأعتراض ولكنه أشار بأصبعه
-ماما اللي طلبت يانوح ولولا ماما مستحيل كنت أقرب منها، ومتفكرش هسيب حقي لبنت خالتك
تذكر بعد وفاة سليم بشهرين
جلس يدخن سيجاره بشراسة بشرفته
دلفت له والدته. بالكرسي المتحرك الذي تدفعه سيلين..
– “راكان ”
هب واقفا متجها إليها
– ماما فيه حاجة ياحبيبتي… ليه جاية كنتِ ابعتيلي وأنا أجيلك
امسكت يديه واردفت:
-اقعد ياحبيبي فيه موضوع مهم لازم نتكلم فيه
وقف مستندا على الجدار خلفه… ونظرة الحزن تتملك منه
– قولي ياحبيبتي أنا سامعك
نظرت اليه نظرة الغريق الذي يبحث عن منقذه… انتابها حالة من الوحشة لقرة عيناها… ظلت تناظره بقلب ام فقدت وليدها :
– تعالى ياراكان جنبي عايزة اتكلم معاك… قالتها وهي تحاوطه بنظراتها
جلس بجوارها ثم طبع قبلة مطولة على رأسها حينما وجد نظرات الحزن بعيناها، ليته يمسح على قلبها ويشعرها بالسعادة التي سرقت منها، رفع نظره إليها :
– سامعك ياست الكل قولي اللي نفسك فيه
مسدت على خديه… وانسدلت عبراتها على وجنتيها
– معدش ليا أمل في الدنيا غيرك وغير ابن الغالي ياحبيبي ربنا يكمل لمامته حملها ويجنا بالخلقة التامة
أمن على حديث والدته
رفعت ذقنه ونظرت داخل مقلتيه
– بتحب امك ياراكان ؟!
رفع يديها وقبلها:
– معنديش أغلى منك في الدنيا ياحبيبتي
رفع نظره إليها
– عندك شك في كدا ياماما، عندك شك ماكنش بحبك
ملست على خصلاته الناعمة
– ابدا ياحبيبي؛ علشان كدا جتلك وعارفة إنك مش هتكسر بخاطري
استمع إليها باهتمام
– عايزة منك تتجوز مرات المرحوم
خرجت كلماتها إليه كالسهم الذي اخترق قلبه دون رحمة
ارتجفت شفتيه وتحدث
– بتقولي إيه ياماما… ؟!عايزة مني إيه ؟!
لمست خديه ونظرت اليه بدموع عيناها تترجاه
– البنت لسة صغيرة وحلوة قوي… أنا مش هظلمك طبعا إنك تتجوز واحدة كانت متجوزة… ثم اكملت مستطردة:
– ليلى بنت حلال، وأنا حبتها ومش عايزة أخسرها والبنت تتحب ياحبيبي… والله يرحمه كان بيموت فيها، لولا الشيطانة اللي دخلت بينهم ، هقول إيه غير حسبي الله ونعم الوكيل فيهم زي ماحسروني على ابني
❈-❈-❈
أغمض عيناه مستسلمًا لعذاب روحه لعله يجد مايقوله، فتح جفنيه بهدوء يطالعها، وحاول الحديث، ولكن كلماته هربت كأنه ابكم لا يعلم الحديث
ربتت على كتفه وتحدثت:
-ليلى لو مشيت من البيت دا واخدت الولد أمك هتموت ياراكان، عارف يعني ايه، يعني أملي فيك كبير يابني أنها تفضل حواليا من ريحة الغالي، كل لما أشوفها هفتكره، كل مااشم ريحتها هشم ريحته ياحبيبي، ربنا يسعد قلبك يابني مش عايزة منك غير الطلب دا بس، وبعد كدا مش هطلب منك حاجة لعند ماأموت
رفع كفيها يقبله ودموعه تساقطت بغزارة على قدره الذي يصفع قلبه بقوة قائلا:
-انا حياتي كلها تحت رجلك ياست الكل، ومهما أعمل مش هوفيلك حقك ياأمي، لكن موضوع جوازي منها صعب، مش هقدر وحضرتك لسة قايلة سليم كان روحه فيها
احتضنت وجهه بكفيها المرتعش وتحدثت
-وانت إيه ياحبيبي وسليم ايه، عندك شك في حب امك ليك زي سليم الله يرحمه، يارب يابني مشفكش زيه ابدا، وافق ياحبيبي عشان خاطر امك وافق، أنا عارفة انك الوحيد اللي هتقدر تحافظ على ابن اخوك، غير جدك مش هيسيب البت في حالها صدقني انا اعرفه أكتر منك
صمت لبرهةقبل ان يقول بفظاظة:
– طيب انا لو وافقت هي هتوافق
ربتت على كتفه:
– هتوافق لما تعرف اللي جدك عايز يعمله
وقف كالملدوغ ونظر بتوهان إليها:
– ليه جدي عايز ايه قالها وهو يكور قبضته
اخذت نفسا طويلا :
– مش ناوي على خير… بيقول هيسبها تولد وياخد منها الولد… ومالهاش حق فيه.. بيقول دا حفيده ومستحيل يسيبه يتربى بعيد عنه
صدمة ذلذلت كيانه وشعر بإحتراق صدره… جعله يرفع يديه يمسح صدره مغمضا عيناه ألما لما يشعر به
– اكيد مش هتسيب جدك يعمل فيها كدا، مش كدا، وانت الوحيد اللي تقدر تحافظ عليها
استدار لوالدته
– موافق ياماما، أنا مش هسيب جدي يتحكم في ابن اخويا اللي لسة ماوصلش للدنيا
ابتسمت والدته
– ربنا يكملك بعقلك ياحبيبي ويباركلي فيك، نادي على سيلين توديني عند ليلى
تعالي أوديكي أوضتك، وسيلين هتقولها تروحلك :
– لا ياحبيبي أنا عايزة اروحلها بنفسي هي الحمل تاعبها، وزي ماقولتلك من شوية جدك مش ناوي على خير
دفعها متجها لغرفة ليلى
– خلاص هوديكي أنا عند ليلى، ابتسمت برضا ودعت في نفسها:
– يارب يابني تكون من حدك ونصيبك
وصل إلى الغرفة المنشودة وقام بطرقات خفيفة عليها:
قامت بفتح الباب وعيناها منتفخة من البكاء وشعرها يتطاير بعشوائية على وجهها،لم تعتقد انه سيصعد إليها بعد حديثه الأخير بحبسها بالغرفة لأنه لايريد أن يراها
نظرت إليه متفاجأة ودموعها محجرة بعينيها
– راكان قالتها بتقطع:
رعشة قوية ضربت جسده عندما وجدها بتلك الهيئة التي ادمت قلبه، وصوتها باسمه الذي جعله يحبس أنفاسه داخل صدره ضاغطا على كل عصب في جسده حتى يسيطر على قلبه الضعيف، حقا مهما يقسو عليها، ويحادثها بأبشع الأحاديث إلا أنها قلبه النابض، فلم يراه منذ وفاة أخيه بشهر
– ماما جاية، قاطعت حديثه عندما اسرعت للداخل تضع وشاحها فوق رأسها، رجعت بعد لحظات
– آسفة ياماما كنت مفكرة سيلين، متوقعتش حضرة النايب
ابتسمت لها وربتت على يديها :
– ولا يهمك ياحبيبتي، أنا اللي خليته يوصلني… وحشني الكلام معاكي، بقالي كتير مشفتكيش
عايزة اتكلم معاكي ياليلى ممكن يابنتي، قالتها زينب
ايوة طبعا حبيبتي اتفضلي
جاءت لتأخذ مقعدها المتحرك
– لا يابنتي راكان هيدخلني البالكونة لحد ماتغسلي وشك الوارم دا
رفعت نظرها إلى راكان وبهدوء ظاهري ونبرة عميقة وهي تناظره:
– ممكن تاخدها لجوا ياحضرة النايب لحد ماارجع
كانت والدته توزع نظراتها بينهما
رمقها بنظرة خاطفة وتحرك دون حديث وكأنها لم تكن
اتجه بنظره لثيابها الموضوعة على طرف الفراش.. كانت عبارة عن منامة شفافة باللون الاسود
ابعد نظره سريعا للجهة الأخرى، ولكن كيف لرجل عشق امرأة أن يتغاضى عن تفاصيلها
بلع ريقه بصعوبة وتحدث لوالدته:
-حاولي متتعصبيش ياماما ولو كلمتك بحدة عرفيني ..قالها ظنا انه يهرب بنظراته عن شيئا يخصها..
فكيف لقلبه المتألم الذي اعطاه القدر لكي يحيا مرة اخرى
وصلت اليهما ليلى… قبل جبين والدته
– أنا خارج دلوقتي… محتاجة حاجة
اتجهت بنظرها لليلى
– كنت عايزة تخرج مع ليلى مشوار ياحبيبي… حتى لو هتاخدها لامها حتى بدل ماهي حابسة نفسها كدا
نظرت إلى راكان ثم اتجهت لوالدته:
– أنا كويسة ياماما، لو تعبانة هقولك
روح ياراكان اجهز وليلى هتجهز علشان توديها بيت أهلها ياحبيبي وانت راجع من مشوارك تجبها
تحرك وهو يتحدث:
– جهزي نفسك وانزلي،فركت يديها قائلة
-مينفعش أخرج ياماما، أنا لسة في شهور العدة
وقف لدى الباب وأستدار يرمقها
-يعني اللي مانعك من الخروج شهور العدة، ليه المدام كانت ناوية على إيه لو مفيش شهور العدة
استدارت إلى زينب
-ماما زينب لو سمحتِ عرفي المستشار أننا بنلتزم بدينا مش بالمظاهر، وأنا مش هستنى بعد شهور العدة هنا، واتكلمت مع ماما زينب من يومين في كدا
هنا علم لماذا طلبت والدته الزواج منها، خطى سريعا للخارج وكأنه يهرب من عدو يطارده
ظلت تتابعه بنظراتها بحزن على معاملته الجافة لها منذ وفاة سليم وتحملها موته
كانت تتابعها بنظراتها، ثم تحدثت :
– حبيبي كل حاجة جت فوق دماغه… حزين اوي على اخوه، غير تعبي وتعب ابوه، وكمان حملك ومسؤليتك
ضيقت عيناها وتحدثت:
– وماله ومالي، أنا هعرف اتولى شؤن نفسي وابني كويس ياماما
تعالي ياليلى جنبي عايزة اتكلم معاكي
جلست بجوارها ،مسدت على ذراعيها بحنان
– راكان مفيش احن منه وكمان مفيش اجدع منه والله يابنتي مش بقولك كدا علشان هو ابني… بكرة لما تعاشريه هتعرفي قصدي
وقفت تفرك يديها وأردفت:
– لا اعرفه ولا يعرفني ياماما، أنا فيه موضوع كنت عايزة اتكلم مع حضرتك فيه بس لما ارجع من عند الدكتور
تمام روحي يابنتي اجهزي، علشان مش تأخريه عن ميعاده وهو هيروح معاكي، أومأت برأسها وتحركت تستعد للذهاب بصحبته للطبيب
بعد قليل تجلس بجواره في السيارة
وضعت رأسها على زجاج النافذة تنظر بالخارج وتذكرت تلك الليلة قبل وفاة سليم بأسبوعين
– كنت فين ياسليم؟! وأنا تعبانة في المستشفى
اهتزت نظراته أمام ثورتها فلم تسعفه الكلمات
مسح على وجهه بعنف واردف
– كنت سهران مع فرح ومعرفش نمت ازاي.. ثم استدار لها
– والله مااعرف دا حصل ازاي، يعني إيه نمت مع فرح
ابتلع ريقه وتحرك للمرحاض:
-هو انتِ هتحققي معايا، مش حضرتك اللي كل شوية مانعة نفسك عني ومش عايزة نتكلم ولا نخرج مع بعض، أهو رحت قعدت شوية مع بنت عمي ومحستش بنفس إلا وهي بتصحيني من الجنينة، لسة فيه أسئلة تاني
-أيوة، أشارت لباب الغرفة وتحدثت
-مش عايزة أشوف وشك هنا في الأوضة، مستحيل اقعد مع واحد اغتصبني
جن جنونه واقترب يمسكها بغضب
-مفيش راجل بيغتصب مراته إلا لما مراته بتبعد نفسها عنه، وانت منعت نفسك عني في وقت كنت محتاج مراتي إيه اجرمت
وتذكرت مرة أخرى اليوم الذي علمت بكذبه
اقتربت منه وبدأت تلكمه بصدره
– ليه تعمل فيا كدا؟! روحت خونتي بعد جوازنا بشهرين اومال لو قعدت سنه هتعمل ايه؟!وجاي تقولي كنت نايم في الجنينة وانت نايم في حضنها
ضمها لحضنه وأردف
– والله ياليلى ماأعرف أيه اللي حصل
دفعته بقوة وظلت تصرخ بوجهه
– اياك تلمسني ياخاين؟! إنت واحد خاين ياسليم!! مستحيل اكمل معاك دقيقة واحدة من اللحظة دي انت في طريق وأنا في طريق وابنك وقت مايجي على وش الدنيا يبقى تعالى شوفه
جحظت عيناه من كلاماتها
– لا ياليلى مستحيل أبعد عنك، اقترب محاولا ضمها
– والله ياحبيبتي غصب عني وأنا مش فاكر حاجة،معرفش ايه اللي حصل، نظر لأخيه ووالدته
-انا مش فاكر حاجة مستحيل اخون البنت اللي بحبها، مستحيل
خرجت من شرودها وهي تصرخ
وضعت يديها على اذنيها، وبدأت تبكي بهستريا، توقف راكان بجانب الطريق
-ليلى مالك إيه اللي حصل موجوعة من حاجة
استدارت ودموعها تنذرف بقوة:
-أنا مكنتش أعرف انه عمل حادثة، والله ماكنت أعرف، هو مات زعلان مني مش كدا، نظرت إليه بدموعها قولي وريح قلبي وهو مات زعلان مني مش كدا؟!
سحب نفسا طويلًا ثم زفره مرة واحدة وهو ينظر أمامه دون رد، حاول أن يسيطر على حاله حتى لا يصفعها فكلما تذكر ذاك اليوم ينشطر قلبه، حدجها بنظرة أستخفافية وتحدث:
-متخافيش سليم مش من النوع اللي قلبه اسود ممكن يشيل من حد قبل مايموت، وخاصة لو الحد دا كان معتبره كل حاجة في حياته، وبلاش كل شوية دموع التماسيح بتعتك دي
قالها ثم قاد السيارة دون حديث آخر ، تطلعت عليه بصدمة، ثم أغمضت جفونها محاولة استيعاب ماشطر قلبها به
بعد قليل وصل أمام العيادة النسائية ترجل وهو يرمقها قائلا :
-انزلي ولا مستنية أشيلك، أحست بإنهيار لم تشعر به من قبل، فرفعت بصرها إليه وتحدثت
-هتفضل تعاملني كدا لحد إمتى ؟!
تضجرت ملامحه بغضب وامال بجسده ينظر إليها من تحت نظارته السوداء التي تخفي معالم حزنه منها ومن نفسه فتحدث بهسيس
-إنتِ مين عشان احطك في دماغي، وأعاملك بكدا ولا غيره، انت معايا عشان ابن اخويا اللي حضرتك مهنش عليكِ تيجي تودعيه وهو مكنش بيقول غير اسمك
افترسها بملامحه الحادة وأشار بيديه عليها عايزة تعرفي أنا شايفك إيه دلوقتي، شايفك أسود نقطة مرت بحياتي، وياله انزلي مش عايز كلام تاني
❈-❈-❈
وصل لغرفة الطبيبة وهي خلفه كل انش بجسدها يتألم من قسوته، ماذا عليها أن تفعل حتى تخرج من تلك الأتهامات الشنعاء
تسطحت على فراش الطبيبة للكشف، وضعت الطبيبة السائل على بطنها بمساعدة جهاز الفحص، كان يقف بعيدًا بعض الشئ، رفعت الطبيبة نظرها إليه وابتسمت
– مش عايز تسمع نبضات قلبه ولا ايه، قرب عشان تشوفه، خطى بهدوء ودقات قلبه بالأرتفاع ينظر لتلك الشاشة التي يظهر بها ابن أخيه الذي لم يكتمل بعد
أشارت الطبيبة إليه:
– شوف هو خلاص على وشك الأكتمال الخارحي، النهاردة دخلنا في الشهر الخامس نقدر نقول مبروك، عقبال باقي الشهور
قامت بتشغيل نبضات قلبه، الذي بدأت بالأرتفاع وحركته أمامهم، انسدلت دموع ليلى عندما تذكرت سليم في أول كشف لهما
كان يقف مكانه وينظر بسعادة إلى الشاشة حتى دمعت عيناه ثم اقترب منها يطبع قبلة على وجنتيها هامسًا إليها:
-مبروك ياأجمل مامي في الدنيا كلها، ربتت على كفيها مبتسمة
-الله يبارك فيك ياسليم، ربنا يجيبه لنا بخلقة تامة ويجعله ذرية صالحة
رفع كفيها يطبع قبلة وينظر لعيناها:
-أهم من الولد انتِ ياحبيبة سليم، المهم تقومي بالسلامة، هنا فاقت من ذكرياتها بشهقة خرجت من فمها تبكي بنشيج حينما تذكرته، تمنت لو يعود بها الزمن لدلفت لأحضانه دون الخروج منها ابدا
اعدلتها الطبيبة وقامت بمساعدتها عندما خرج راكان سريعا من أمامها حتى لا يضعف ويضمها لأحضانه يربط على قلبها، ولكن كيف له أن يفعل ذلك وهو بدى يظهر بأنه الخائن لأخيه، ضغط على نفسه يلوم حاله
-كيف تفكر بذلك وأخيك لم يكمل بقبره سوى عدة شهور، ظل بالخارج حتى خرجت بمساعدة الممرضة جسدا خاليًا من الحياة
خرج من شروده يزيل دموعه التي خرجت عن سيطرته وهو ينظر إلى نوح
-بحاول الأقيلها عذر يانوح مش لاقي غير وجع قلبي أنا وأخويا، عارف إنك هتزعل مني بس حقيقي مش قادر أسامحها
بالأعلى بغرفة ليلى، وصلت الطبيبة وقامت بفحصها
-لا يا مدام ليلى كدا انتِ اللي هتموتي، إهمالك لنفسك كدا دا دمار لنفسك
قاطعت زينب حديثها تنظر لليلى بحزن
-كدا يابنتي عجبك نفسك كدا، ليه مش بتحافظي على نفسك، يعني أنا بلوم راكان بس هو عنده حق، مينفعش اللي بتعمليه دا
كانت تنظر في اللاشيئ ولم تجيب أحدا، دونت الطبيبة بعض المحاليل
-لازم من المحاليل دي، جسمها بقى ضعيف، الضرر مش على الجنين قد ماعليها، أتمنى يامدام ليلى تهتمي بصحتك شوية
خرجت الطبيبة بمصاحبة سيلين حيث وجود راكان الذي أوصى أخته بمقابلتها بعد فحص ليلى
وقفت أمامه وتحدثت قائلة:
-كان نفسي أطمنك ياحضرة المستشار، لكن للأسف حالة مدام ليلى كل شهر بتدهور عن اللي قابله، هي دلوقتي في أخر الشهر السادس، ولو فضلت بالطريقة دي ممكن تموت
اتسعت عيناه من هول ماتلفظت به وهبت زعابيب غضبه وهو ينظر لأخته
-أنا مش قولتلك لازم تهتمي بيها ياسلين وتغصبي عليها في الأكل، قاطعته الطبيبة قائلة
-مدام ليلى محتاجة دكتور نفسي، أنا معرفش ايه اللي حصل معاها، بس حالتها دي حالة نفسية وممكن تكون اكتئاب فياريت نراعي معاملتها شوية، قالتها وخرجت
طاحت يمينه بكل مايقابلها على سطح مكتبه وجهر بصوت غاضب:
-بتعمل كدا عشان تموت الولد، عايزة تهرب من البيت والله لأدفعك التمن ياليلى اصبري عليا
نهض نوح وتوقف أمامه
-الصراحة مش قادر افهمك انت بتعاقب ليلى على أساس ايه، عايز تهرب من نفسك، أهرب بعيد عنها، راكان انا مش هسمحلك انك تحملها مسؤلية موت سليم، انت عارف ومتأكد أنه مات بسبب قضيتك، غير انك كنت المقصود، بلاش تخليني افقد أعصابي عليك وانسى إنك صاحبي
ليلى قبل ماتكون بنت خالتي فهي بتعتبرني اخوها الكبير، اتأكد لولا مرض والدها مكنتش قعدت في البيت دا يوم واحد، عدتها خلاص باقي ايام وتخلص
جحظت عيناه ناظر لنوح وتحدث بدقات عنيفة
-قصدك إيه من عدتها
اقترب نوح وهو يدقق النظر بمقليته
-ليلى هتبقى حرة نفسها، يعني مالكوش دعوة بيها فأنا لو سبتها قاعدة هنا كام يوم كمان فدا اكراما مني عشان والدتك مش اكتر، إنما ضغطك عليها يوصلها أنها تدخل اكتئاب فلا ياصاحبي وقتها هدوس عليك ومش هرحمك، ومتقدرش تغصبها على حاجة هي مش عايزها
بلع غصة مريرة وهو يطالعه بصدمة من حديثه
-قصدك إيه يانوح، يعني ممكن تبعني عشانها
قاطعهم دلوف يونس قائلا
-مساء الخير ياراكان، اتجه بنظره إلى نوح وتحدث
-والد ليلى برة مع ابن عمها
اتجه بنظره إلى يونس وكأنه تلقى صفعة على وجهه، والدها برة
جلس نوح يضع ساقًا فوق الأخرى ينظر لأصابع يديه ثم غمز إلى يونس قائلا
-هو أنا مقولتلكش ياحضرة المستشار ان باباها هيجي ياخدها في وقت من الأوقات، بس هو جاي النهاردة عشان يعرفها ان ابن عمها طلب يتجوزها وراضي كمان بابنها، فأنا جيت امهد لطنط زينب، وأعرف حضرتك ليس إلا
وقف وكأن الأرض تدور به وكأنه شعر بالظلام يحاوطه حينما أحس انه مكبل الأيدي من فعلتهم النكراء، اقترب من نوح بخطى سلحفيه ونظرات جحيميه يود أن يحرقه بها، فنزل بجسده يحاوطه بذراعيه
-عارف ممكن اموتك دلوقتي ومالكش دية عندي، قالها حينما أطبق على عنق نوح، في حين كتم يونس ضحكاته واقترب من راكان يدفعه بعيدا عنه:
-اتجننت هو كان عمل ايه؟! ابوها برة مع والدتك وعايز بنته بعد عدتها ومن حقه
ظل يطبق فوق عنق نوح وهمس بفحيح
-هتخرج تقنعه وتقوله ليلى مش هتسيب البيت دا وراكان هيتجوزها عشان ابن أخوه ميبعدش بعيد، ومتنساش تقوله هي موافقه سمعتني يلا
دفعه يونس عندما وجد شحوب بوجه نوح
-يخربيتك هتموته، طيب ماتروح تقوله الكلمتين دول، مش انت العريس
تحرك من أمامهم وهو يردف
-وماله هروح أقوله، بس لازم اطلعلها الأول
وصل بعد لحظات لغرفتها دفعها بقوة ودلف للداخل، كانت أسما وسيلين تجلسان يطعمناها
ذهلت أسما من طريقة دخوله، رمق ليلى بنظراته قائلا:
-اطلعوا برة عايز الباشمهندسة في كلمتين
نهضت أسما أمامه وتحدثت:
-طيب ممكن بعد ماتخلص أكلها
-قولت برة عايز اكلمها على انفراد
سحبت سيلين كف أسما وتحركت حينما وجدت حالة أخيها، خطى حتى جلس أمامها على المقعد يطالعها لعدة لحظات وهي تنظر بعيدا عن مرمى عيناه
-والدك تحت جاي عشان يعرفك انه هياخدك بعد كام يوم، استدارت بوجهها إليه مبتسمة وحاولت النهوض، ولكنها تصنمت بجلستها حينما اكمل:
-وطبعا مينفعش تخرجي من بيت جوزك، نهض يبتسم على ذهولها وأكمل
– عشان انتِ هنا في حكم مراتي دلوقتي، يعني قدرك معايا
ارتجفت شفتيها وحاولت الحديث قائلة بصوت متقطع:
-بس أنا مش موافقة، مش عايزة اتجوزك، وقولتلك قبل كدا
نهض من مقعده واقترب ينزل بجسده يحاوط جلوسها، ودنى منها حتى استنشق عبيرها واختلطت أنفاسه بأنفاسها قائلا وهي ينظر لمقلتيها
-ليه مش أنا اللي خفتي عليا من أمجد وحاولتي تبعديه عني ليقتلني، مش أنا اللي حبتيه وروحتِ اتجوزتي أخوه
كان قريب من وجهها بطريقة غير المسموح بها، نظرت لعيناه تسأل نفسها:
-هل هذا بالفعل الذي أحبته وفعلت من أجله ماحطم قلبه،
دنى أكثر وأكثر هامسًا بصوته الرجولي
-عايز اقولك انت لو آخر واحدة عشان أحبها عمري ماهحبها عارفة ليه، نظر لداخل ليلها الأسود الذي لمع بخيط من الدموع قائلا:
-لأنك أكتر واحدة كرهتها في حياتي، وجوازنا هيتم غصب عنك وبشكل صوري، ودا عشان أعرفك يوم ماتحاولي تعاقبيني وتوجعي قلبي زي ماقولتي قبل كدا، تفتكري عملت فيكِ ايه
مش راكان البنداري اللي ياخد بقايا غيره، وانت بقايا من أخويا، انتِ النقطة السودا في حياتنا إحنا الاتنين، هو عشان مفهمش الست اللي اتجوزها ماهي إلا أنها ترضى غرورها وتعاقب اخوه، وأنا لاني في يوم من الأيام فكرت اني ممكن احب واحدة زيك
قالها ثم اعتدل يرمقها بسخرية على ملامحها التي شحبت وأكمل ليؤكد لها جوازه منها ماهو إلا انتقام ليس إلا
-باباكي مريض، واخوكي طبعا معدش زي الأول من وقت ماأمجد علم عليه، ومن عملية لعملية، ولولا تدخلي مكنش هيدخل امتحانات السنادي غير المدرسين اللي بيرحوا لعنده البيت، غير قضية طلاق أختك اللي جبتها من فم الأسد، ضيفي على دا كله اني ممكن اخد منك الولد واحرمك منه،
جلس مرة أخرى وأكمل بغرور رحل حطم كبرياء أنثى
-زي ماقولتلك هتعيشي هنا مكرمة معززة وأم حفيد البندارية اللي هتحميه برموش عيونك، وعلاقتي بيكِ زي ماهي يعني مش هقرب منك
قوس فمه ونظر بإستعلاء قائلا:
-مبحبش المستعملين وخصوصًا لو كانت في حضن أخويا في يوم من الأيام، نهض واقفًا وأكمل :
-بلاش شغل الضعف والمناحة اللي كل شوية تعمليها دي، لأنك مهما تعملي هتفضلي هنا برضو
استدار متحركا ولكنه تسمر حينما أردفت
-طيب لو الولد نزل، هفضل هنا بصفتي إيه
استدار سريعًا إليها، ووصل إليها بخطوة واحدة
-الولد لو نزل وكان ليكِ يد فيه صدقيني هدفنك معاه، أما لو نزل قضاء وقدر هتفضلي هنا برضو وهنتجوز اصلي نسيت اقولك امي قالتلي انها بتشم ريحة إبنها فيكِ يامدام
نزل بجسده واقترب يكرر كلماته بصوتًا مختنق
-بتشم ريحة سليم فيكِ، شوفتي أحسن من كدا كلمات، تخيلي بقى لما تكوني قدامي كدا زي ماما، ماقالت ريحة أخويا فيكِ يامدام، فياريت تحافظي على ريحة أخويا، وتعرفي أني مستعد احرق الكون عشان كلمة امي دي، ماهو انا حرقت قلبي قبل كدا لأخويا، فعادي أحرق الدنيا عشان أمي
❈-❈-❈
في فيلا خالد البنداري جلست عايدة وفريال
-بس دي مخاطرة ياعايدة، انتِ فاهمة يعني إيه ولد ينزل في الشهر السادس دا ممكن الأم تموت كمان
نهضت عايدة وهي تتحدث بفحيح:
-اومال اسبها تتهنى بالعز دا كله، بعد مانفى بنتي لأخر البلاد وحرمها تيجي هنا، لا وكمان عايز يتجوز المدام، والله لأحرق قلبهم على حفيدهم، استدارت تكمل حديثها كساحرة
-لو ليلى مشيت وابنها مات ممكن سلمى تتجوز راكان، شوفي بقى راكان يعتبر هو المالك الأساسي لأمبرطورية البنداري ، وفي نفس الوقت اكون شفيت غلى من زينب والزفتة ليلى
نهضت فريال تربت على ظهرها :
-أنا حاسة بيكِ بس متنسيش لو توفيق عرف ممكن يموتنا، وهو قال هياخد الولد بعد ماتولده، يعني بلاش نتسرع
استدارت ترمقها بسخرية
-إيه يافريال بقيتي تخافي ولا إيه، انتِ ناسية ان يونس لسة ماكتبش على سارة، ودفنو موضوع سيلين ومنعرفش إيه اللي حصل بين راكان وجده، مش واخدة بالك انهم بقوا يقربوا من بعض، دا حتى لسة شيفاه قاعد مع راكان بيشرب قهوته، مفكرتيش أن فيه موضوع ورا راكان من كدا
هزت رأسها وتحركت تعطيها زجاجة
-لازم نخلص من الولد، ودا هيتحط في قزازة الدوا وتاخده كأنه دوا، ولا مين شاف ولا مين دري
تنهدت فريال وبدأت تفكر بتلك الفكرة التي ستؤدي بهم إلى الجحيم، فأومات برأسها
-حاضر هروح كأني بطمن عليها واغيرها بالدوا، بس حلو نوع الدوا دا عرفتيه إزاي
أشارت للدوا قائلة
-دا اي حامل بتاخده، سألت يونس بخبث كدا، وجبته وطبعا بدلت اللي فيه
❈-❈-❈
بمنزل جواد الألفي
جلس جاسر أمام والده، يضع بعض الملفات الهامة
-ودا كمان وصلنا له، تراجع جواد بظهر يحرك قلميه ثم رفع نظره إلى جاسر
-المعلومات دي غلط ياحضرة الظابط، دقق في الملف وانت تعرف، دا كمين بيسحبوا بيه راكان ليس إلا
ضيق عيناه متسائلا
-معقولة يابابا، دا كدا يبقوا شياطين، أنا إزاي مااخدتش بالي فعلا من البنت دي، طيب ممكن يكون راكان عارف حاجة ومخبي
نهض جواد واتجه يجلس بمقابلته
-راكان عارف كل حاجة بس بيسويهم على نار هادية ، وأعتقد أنه مرديش يقولك حاجة عشان خاف عليك بعد اللي حصل لأخوه
مسح جاسر على وجهه محاولا إستيعاب حديث والده
-ممكن ياحضرة اللوا تفهمني براحة ماهو انا مش زي معاليك برضو، أنا لسة تلميذ
أمسك جواد الملف ورفعه أمامه
-هو فيه واحد هيروح يسيب ورق يوديه في داهية في غرفة اجتماعات قدام وكيل نيابة برضو، دا طعم ياأهبل، عايزين يشدوا بيه راكان، ويطلع صورته قدام الكل وحش، غير أن اسم جده وباباه في كل ورقة، هم عايزين يفهمه إن دا الورق المهم، بس عجبني وعرف يلعبها صح وأخد الورق يفهمهم انه المطلوب
وهو بيخطط من ناحية تانية، بس بيخطط لأيه دا اللي هنعرفه قريب
نهض يشير إلى جاسر
-اللي زي راكان دا ميسبش حقه ابدا، وغير انه ميغامرش بسمعة باباه، حتى جده اللي عرفنا انه بعيد تماما عن حادث اخوه، بدليل خناقاته وفض شركاته مع الشربيني
توقف جاسر متسائلا
-طيب يابابا ليه أمجد لحد دلوقتي مش بيحكموا عليه؟!
ربت جواد على كتف ابنه قائلا
-كل حاجة بميعاد وامجد مش واحد عادي، واللي متأكد منه أن راكان ناوي يوصله لأقصى عقوبة مش مجرد عشر او خمستاشر سنة
❈-❈-❈
عند عاصم جالسًا بجوار آسر الذي رجع من سفره
-يعني إيه يابني إنت هتتجوز ليلى، تدخلت زينب حتى تهدئ عاصم
-ليلى حامل في ابن سليم ياأستاذ عاصم، وأنا مقدرش ابعدها عني، وبعدين ليلى حلوة واي حد يتمناها، ولا إنت هتستكترها على راكان، ومتخافش راكان زيه زي سليم هيحطها جوا عينه
قاطعهم آسر محمحما
-عارفين طبعا حضرتك، وحضرة المستشار لاغبار عليه، لكن احنا آسفين والله، أنا أولى ببنت عمي، وأنا اصلا كنت ناوي اتجوزها بس الباشمهندس سابقني ومقدرتش اتكلم وقتها وسافرت، ولما عرفت اللي حصل رجعت عشانها
من الآخر كدا ياهانم انا بحب ليلى بنت عمي ومستحيل أتخلى عنها، وبما انكم اهم حاجة حفيدكم إحنا مش هنحرمكم منه
هب من مكانه يرمق نوح للتدخل، فوقف نوح أمام عاصم قائلا:
-عمو عاصم راكان كان لسة بيقولي انه عايز يروح لحضرتك عشان يطلب ايد ليلى، قبل مانعرف موضوع آسر
نزلت ليلى بمساعدة سيلين وأسما، هرولت لوالدها بجسدها الواهن تحتضنه وتبكي :
-بابا حبيبي وحشتني قوي، قبل جبينها يمحو دمعاتها
-إيه دا ياليلى ليه كدا يابنتي، إيه اللي عمل فيك كدا
مسدت على أحشائها مبتسمة من بين دموعها
-قول لجدو أنا تاعب ماما قوي، ومخليها مش عارفة تنام ياجدو
جذبها بقوة لأحضانه كأنه يحبسها بداخل صدره
-حبيب جدو، فداك جدو إنت وماما ياحبيبي
انسدلت دموع زينب تطالع ليلى، كان راكان يراقب والدته كور قبضته حتى ابيضت مفاصلها، خاصة عندما اقترب آسر منها ينظر بإشتياق حبيب إليها
-ليلى عاملة ايه وحشتيني، ابتسمت إليه واجابته
-الحمد لله حمد الله على سلامتك ياآسر جيت إمتى ؟!
قطع حديثهم راكان قائلا:
-اقعدي متقوفيش كتير عشان ماتتعبيش
جذبها والدها لأحضانه جالسا بجوارها ينظر لبطنها التي بدأت بالظهور
-وصلتي للشهر الكام حبيبتي، وضعت رأسها على كتف والدها تتحسس جنينها بحنان
-في السادس ياحبيبي، هانت اهو كلها كام شهر ويشرف حفيدك
رفع ذقنها وسألها :
-عايزة تيجي معايا بعد كام يوم، ولا تفضلي هنا لحد ماتولدي، ولا ناوية على إيه
رفعت نظر إلى راكان وتحدثت:
-لا يابابا هفضل هنا خلاص البيت دا بقى بيتي، ثم اتجهت إلى زينب قائلة
-مقدرش أبعد ماما زينب عن حفيدها
هب آسر كالملدوغ، فهو كان يأمل برفضها فتحدث متسائلا:
-بصفتك إيه ياليلى هتقعدي هنا، رمقه راكان شرزا فنهضت من مكانها متجهة إليه تقف بجواره:
-بصفتي هكون مرات حضرة المستشار ياآسر
لم يشعر بنفسه حينما سحب كفيها يشبك أصابعه بأناملها النحيلة، شعر كلا منهما برجفة تسري لجسديهما، اتجهت بنظرها إليه وحادثته بعيناها
-أتظن أنني أتخلى عن كبريائي سيدي القاضي، اجننت ألم تعرف أن الأنثى إذا تحطم كبريائها تحولت لمفترسة شرسة تأخذك بين أنيابها
مرحبًا بك معذبي في نار أنثى حطمت قلبها الذي عشقتك به، فاليوم منذ تلك اللحظة، سأحضنك مع ذكرياتي المؤلمة
أما هو ناظرها وتحدثت عيناه
– أعلم إنك لن تنهزمين بتلك السهولة، كما أعلم إنكِ ستعاقبيني بأشد عقابكِ وهو نبض قلبي لكِ، ولكن مهلا مولاتي ألم تعلمين ليس على العاشق حرجا، كما ليس على المجروح من عشقه حرج، مرحبًا بكِ مولاتي في جنةجحيم معذبك

يتبع…

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة باقي حلقات الرواية اضغط على : (رواية عازف بنيران قلبي)

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *